همسات الموت تزلزل عرش حزب الله.. أسرار 10 سنوات من التخطيط داخل الموساد لعملية البيجر
حزب الله، في صراع الاستخبارات الذي يخوضه الشرق الأوسط منذ عقود، لا تأتي الانتصارات من ساحة المعركة فقط، بل كثيرًا ما تُحسم خلف الستار، حيث تتداخل الحيل التكنولوجية مع الخداع النفسي في صراع يتجاوز الحدود التقليدية للحرب.
وفي هذا السياق، برزت عملية “بيجر”، التي نفذها الموساد الإسرائيلي بذكاء غير مسبوق، كعلامة فارقة في تاريخ المواجهة مع حزب الله.
هذه العملية التي وُصفت بـ”انقلاب قواعد اللعبة”، لم تقتصر على تدمير أهداف مادية أو القضاء على أفراد. بل أثرت في عمق البنية النفسية للحزب، وزرعت الشكوك داخل أجهزته، بل وحتى في نفوس قادته.
البداية: التخطيط لعقد كامل
تكشف التقارير الاستخباراتية أن عملية “بيجر” كانت نتيجة تخطيط طويل الأمد استمر لأكثر من عشر سنوات. بدأ الموساد بمراقبة شبكات التوريد الخاصة بحزب الله، ونجح في اختراقها عبر إنشاء شركات وهمية وعقد صفقات سرية مع مزودي الأجهزة الإلكترونية.
خلال هذه الفترة، تمكن الموساد من تزويد الحزب بأجهزة إرسال لاسلكية مُصممة لتبدو كأداة اتصال آمنة. تم تصنيع هذه الأجهزة لتكون مفخخة بآلية تفجير متطورة لا يمكن اكتشافها بسهولة.
خطة متقنة وخداع غير مسبوق
لتنفيذ هذه العملية، استعان الموساد بشركات واجهة في دول أوروبية وآسيوية. ومن أبرزها شركة في المجر لعبت دور الوسيط مع شركة “جولد أبولو” التايوانية.
لم تكن الشركة التايوانية تدرك أن منتجاتها ستُستخدم في عملية استخباراتية مدمرة، حيث تم الترويج للأجهزة كمنتجات فائقة الجودة، مقاومة للماء والغبار وتدوم بطاريتها لفترة طويلة.
لإحكام الخدعة، استخدم الموساد وسائل إعلامية، منها إعلانات احترافية على منصات مثل “يوتيوب”، للترويج للأجهزة على أنها الخيار الأمثل للاتصالات الآمنة.
بهذه الطريقة، تمكنت إسرائيل من إدخال هذه الأجهزة إلى منظومة الاتصالات المركزية لحزب الله دون أن تثير شكوكه.
لحظة الانفجار: الصدمة الكبرى
في 17 سبتمبر 2024، بدأت المرحلة الحاسمة من العملية. عند تفعيل الأجهزة المفخخة، صدرت أصوات تنبيه طلبت من المستخدمين الضغط على أزرار معينة لفتح رسائل مشفرة. كانت هذه الحيلة تهدف إلى ضمان تفاعل المستخدمين مع الأجهزة قبل أن تنفجر.
النتيجة كانت كارثية. عشرات القتلى ومئات الجرحى سقطوا نتيجة هذه الانفجارات، التي هزت صفوف حزب الله وخلقت حالة من الفوضى والارتباك.
مشهد مأساوي أمام نصر الله
أحد المشاهد الأكثر تأثيرًا في العملية كان حضور الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، لأحد التفجيرات.
ووفقًا لما نقلته صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، كان نصر الله شاهدًا على لحظة انفجار الأجهزة بالقرب من مقاتليه. هذه الحادثة لم تترك أثرًا ماديًا فقط، بل كانت لها تداعيات نفسية عميقة عليه وعلى قيادات الحزب.
عميل الموساد، الذي أطلق على نفسه اسم “جابريل”، وصف هذه اللحظة بأنها “نقطة تحول في الحرب”. وأضاف: “بعد يومين فقط من الهجوم، ألقى نصر الله خطابًا بدا فيه منهزمًا، وكان واضحًا أن جنوده فقدوا ثقتهم فيه”.
رسائل قوية لحزب الله وإيران
عملية “بيجر” حملت رسالة واضحة وصادمة لكل من حزب الله وإيران، مفادها أن إسرائيل قادرة على اختراق أكثر المنظومات الأمنية تعقيدًا، وأنها تمتلك الأدوات لتوجيه ضربات موجعة ليست فقط على الصعيد العسكري، بل أيضًا النفسي والاستراتيجي.
تداعيات نفسية وبنية مهزوزة
لم تقتصر آثار العملية على الخسائر البشرية فقط. فقد أدت إلى زعزعة الثقة داخل صفوف حزب الله، حيث باتت الشكوك تحوم حول كل أداة اتصال وكل منظومة أمنية. بل إن قيادات الحزب أصبحت تواجه أسئلة صعبة من مقاتليها حول مدى كفاءة منظومة الأمن والاستخبارات.
أبعاد استراتيجية واسعة
عملية “بيجر” لم تكن مجرد عملية استخباراتية عابرة، بل شكلت نقطة تحول في أسلوب إدارة الصراع في المنطقة. هذه العملية أبرزت دور التكنولوجيا كعامل حاسم في الحروب الحديثة، حيث يمكن لأداة صغيرة أن تُحدث تأثيرًا يفوق تأثير أعتى الأسلحة.
إسرائيل، عبر هذه العملية، لم تسع فقط لتدمير حزب الله، بل لإرسال رسالة إلى جميع أعدائها بأن كل خطوة وكل عملية اتصالات قد تكون تحت المراقبة، وأن الخوف أصبح جزءًا من أدوات الحرب.
الأسئلة التي لا تنتهي
تثير عملية “بيجر” العديد من التساؤلات حول المستقبل. كيف سيرد حزب الله على هذه الضربة القاسية؟ وهل يمكنه إعادة بناء الثقة داخل صفوفه؟ وكيف ستؤثر هذه العملية على استراتيجيات إيران وحلفائها؟
خاتمة: دروس من “بيجر”
في عالم الاستخبارات والحروب النفسية، لا تُقاس الانتصارات بعدد الضحايا فقط، بل بما تتركه من أثر دائم في النفوس. عملية “بيجر” قدمت درسًا قاسيًا لحزب الله حول مخاطر التكنولوجيا والاعتماد على منظومات غير موثوقة.
هذه العملية تبقى فصلًا جديدًا في تاريخ الصراعات في الشرق الأوسط، حيث تزداد الحروب تعقيدًا، ويتحول الخداع إلى أداة تفوق في قوتها كل الأسلحة التقليدية. وفي ظل هذه التحولات، يظل السؤال الأكبر: ما هي الخطوة التالية في لعبة القط والفأر بين إسرائيل وحزب الله؟
تعليقات 0