هجوم نيو أورليانز.. رحلة بحث عن الحقيقة وراء أكبر هجوم إرهابي في الولايات المتحدة

في ليلة رأس السنة التي كان ينتظر فيها الملايين من سكان مدينة نيو أورليانز لحظات الاحتفال والفرح، تحوّلت الأجواء إلى كارثة مروعة لن تُمحى من ذاكرة الأمريكيين.

شمس الدين جبار، مواطن أمريكي يبلغ من العمر 42 عامًا، وصاحب خلفية عسكرية، نفّذ هجومًا داميًا أسفر عن مقتل 14 شخصًا وإصابة العشرات في شارع بوربون الشهير بالحي الفرنسي، في حادثة هزت الولايات المتحدة وفتحت باب التساؤلات حول أمان المجتمعات والتهديدات المتزايدة من الأفراد المنفردين.

هجوم غادر ومواجهة حاسمة
بدأت المأساة في منتصف ليلة رأس السنة، حين أطلق جبار النار عشوائيًا على الحشود المتجمعة للاحتفال بالعام الجديد، متسببًا في حالة من الذعر والفوضى.

وعلى الرغم من التدخل السريع لقوات الأمن، التي تمكنت من تصفيته في مكان الحادث، إلا أن الهجوم كشف عن ثغرات أمنية وأثار مخاوف جديدة بشأن التهديدات التي قد تنشأ من أفراد يعملون بمفردهم، دون أن يكونوا على رادار الأجهزة الأمنية.

أخبار تهمك

انفراجة تاريخية في لبنان.. وجوزيف عون من قيادة الجيش إلى قصر بعبدا

شمس الدين جبار: خلفية عسكرية وسجل غامض
كشفت التحقيقات الأولية التي أجراها مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) أن شمس الدين جبار، المهاجم المشتبه به، هو مواطن أمريكي من ولاية تكساس، خدم في الجيش الأمريكي بين عامي 2007 و2015

. وبحسب ما أفادت به شبكة “سي بي إس نيوز”، فإن جبار كان قد أنهى خدمته العسكرية منذ سنوات، لكنه احتفظ باهتمام شديد بالأسلحة النارية، وامتلك ترسانة ضخمة حصل على بعضها بطرق غير قانونية.

تحقيقات موسعة وخيوط متشابكة
مع بدء التحقيقات، انطلق عملاء الـFBI في تتبع حياة جبار الشخصية والمهنية، وكشفوا عن نمط سلوك يثير الريبة. فقد قام جبار برحلات متكررة إلى الشرق الأوسط في عام 2023، تضمنت زيارة لعدة دول بين 22 يونيو و3 يوليو، أعقبها رحلة إلى كندا بين 10 و13 يوليو من نفس العام.

كما أظهرت الأدلة أن جبار زار مدينة نيو أورليانز مرتين في أكتوبر ونوفمبر من العام الماضي، ما يشير إلى احتمال تخطيطه للهجوم منذ أشهر.

في تسجيلات فيديو نشرها مكتب التحقيقات الفيدرالي، ظهر جبار وهو يتجول في الحي الفرنسي على دراجة، ملتقطًا صورًا ومقاطع فيديو للمنطقة، ما أثار تساؤلات حول الأهداف المحتملة لهذا السلوك.

ويقوم المحققون حاليًا باستجواب مئات الشهود والأشخاص الذين قد تكون لديهم معلومات عن جبار وتحركاته.

علاقات مشبوهة ودوافع مجهولة
كشف المحققون عن اتصالات محتملة لجبار مع جهات خارجية، بما في ذلك رسائل إلكترونية مشفرة ومكالمات هاتفية تثير الشبهات بارتباطه بجماعات متطرفة. ومع ذلك، لم يتم تأكيد أي صلات مباشرة حتى الآن. وفي الوقت نفسه، أفادت مصادر أمنية بأن جبار قد يكون قد استوحى هجومه من أيديولوجيات متطرفة أو دوافع شخصية معقدة.

الذئاب المنفردة: تهديد أمني متزايد
تأتي هذه الحادثة لتسلط الضوء على خطر “الذئاب المنفردة”، وهم أفراد ينفذون هجمات إرهابية دون انتماء مباشر لجماعات منظمة، مستخدمين أسلحة يسهل الحصول عليها.

وبحسب مكتب مكافحة الإرهاب، فإن هذا النمط من الهجمات بات يمثل تحديًا كبيرًا للأجهزة الأمنية، حيث يصعب اكتشاف المخططات مسبقًا أو التنبؤ بها.

تداعيات القضية وتساؤلات بلا إجابات
مع تقدم التحقيقات، تستمر التساؤلات حول كيفية تمكّن جبار من تنفيذ هجوم بهذا الحجم، وما إذا كان قد تلقى مساعدة من أفراد أو جماعات أخرى. كما يثير الكشف عن رحلاته السابقة للشرق الأوسط تساؤلات حول ارتباطها المحتمل بجريمته، خاصة في ظل التوترات الإقليمية والأيديولوجيات المتطرفة التي قد تكون أثرت على دوافعه.

تحديات أمنية جديدة
تعد قضية “هجوم نيو أورليانز” نقطة تحول في النقاش حول الأمن الداخلي في الولايات المتحدة، حيث تؤكد أهمية تعزيز التدابير الأمنية لرصد الأفراد الذين يظهرون سلوكًا مريبًا.

كما تثير القضية دعوات لإعادة النظر في قوانين امتلاك الأسلحة، خاصة مع انتشار عمليات البيع غير القانونية، مثل تلك التي مكّنت جبار من الحصول على بندقيته المستخدمة في الهجوم.

الأجهزة الأمنية تواصل جهودها
يواصل مكتب التحقيقات الفيدرالي العمل بلا كلل لفك خيوط القضية. ويتم حاليًا تحليل السجلات الرقمية لجبار، بما في ذلك رسائل البريد الإلكتروني والمكالمات الهاتفية، لتحديد الدوافع الحقيقية للهجوم. كما يجري المحققون مقابلات مع عائلته وأصدقائه وزملائه السابقين لفهم التحولات التي طرأت على شخصيته.

خاتمة: ألم لا يُنسى ودروس مستفادة
سيبقى هجوم نيو أورليانز علامة فارقة في تاريخ الولايات المتحدة، حيث لم يقتصر أثره على الخسائر البشرية والمادية فقط، بل امتد ليعيد طرح قضايا أمنية واجتماعية ملحّة. ومع استمرار التحقيقات، تظل الأولوية هي منع تكرار مثل هذه المآسي وضمان أمن المجتمعات في مواجهة تهديدات الأفراد والجماعات على حد سواء.