السياسات التصادمية للرئيس الأمريكي في ولايته الثانية.. ترامب يتجاهل المعارضة ويفجر الخلافات الدولية
لم يكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يباشر مهامه في ولايته الثانية حتى عادت التوترات السياسية والاقتصادية إلى السطح، وسط صدامات متزايدة مع العديد من الدول حول العالم. فمن الشرق الأوسط إلى أوروبا، ومن أمريكا اللاتينية إلى آسيا، تصاعدت المواجهات الدبلوماسية، وأثارت قرارات ترامب ردود فعل حادة، ليعيد إلى الأذهان أسلوبه الصدامي الذي طبع ولايته الأولى، ولكن هذه المرة يبدو أكثر اندفاعًا، غير مكترث بالمعارضة الداخلية، بعدما تجاوز عقبة إعادة الانتخاب.
عودة قوية للنهج الصدامي
لم يكن فوز ترامب بولاية ثانية بالأمر السهل، إذ خاض معركة انتخابية شرسة، وظل طوال حملته الانتخابية متوعدًا باتخاذ قرارات أكثر جرأة وصراحة في السياسة الخارجية، دون أي اعتبار للمجتمع الدولي. وبعد أن ضمن بقائه في البيت الأبيض لأربع سنوات أخرى، بدأ على الفور في تنفيذ تعهداته، ليعيد إشعال الأزمات التي اندلعت خلال ولايته الأولى، مع تصعيد إضافي غير مسبوق.
ملفات شائكة تعيد تشكيل العلاقات الدولية
أبرز الملفات التي فجرت الأزمات في الأيام الأولى من ولاية ترامب الثانية جاءت متعلقة بالقضية الفلسطينية، والنزاعات التجارية، والسيادة الوطنية، والتحالفات الدولية، حيث لم يتردد ترامب في اتخاذ قرارات مثيرة للجدل أثارت استياء عدد كبير من الدول.
أخبار تهمك
فقد أعلن البيت الأبيض عن خطة جديدة تقضي بتهجير الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية إلى مصر والأردن، وهو المقترح الذي قوبل برفض عربي قاطع، حيث أصدرت كل من القاهرة وعمان بيانات رسمية أكدت رفضهما لأي محاولات لإجبار الفلسطينيين على مغادرة أراضيهم.
كما توالت ردود الفعل من عدة دول أخرى، حيث وصف الاتحاد الأوروبي التحركات الأمريكية بأنها “انتهاك صارخ للقانون الدولي”، في حين نددت ألمانيا وفرنسا بالمقترح، واعتبرته برلين “غير مقبول بأي شكل من الأشكال”.
وفي الوقت نفسه، واصل ترامب سياساته الاقتصادية الهجومية، حيث فرض رسومًا جمركية جديدة على الصادرات الأوروبية والبرازيلية، في خطوة أثارت غضبًا واسعًا، دفعت البرازيل إلى التهديد بإجراءات انتقامية، فيما أكد الاتحاد الأوروبي أنه سيدرس اتخاذ تدابير مماثلة ضد الولايات المتحدة.
كما أعاد ترامب فتح ملف جزيرة جرينلاند، ليعرض مجددًا شراءها من الدنمارك، وهي الفكرة التي قوبلت سابقًا بالسخرية والرفض القاطع من كوبنهاجن، ما دفع رئيسة وزراء الدنمارك إلى التأكيد مجددًا أن “جرينلاند ليست للبيع، وأن الدنمارك لن تقبل بأي نقاش في هذا الشأن”.
أزمات متجددة مع أمريكا اللاتينية
لم تقتصر المواجهات على الشرق الأوسط وأوروبا، بل امتدت إلى أمريكا اللاتينية، حيث فرضت واشنطن عقوبات على كولومبيا، متذرعة بانتهاكات لحقوق الإنسان، كما أعادت الإدارة الأمريكية طرح قضية قناة بنما، حيث مارست ضغوطًا على الحكومة البنمية لتعديل بعض الاتفاقيات المتعلقة بإدارتها. وهو ما دفع الحكومة البنمية إلى رفض أي تدخل أمريكي في شؤونها، مؤكدة أن القناة “ملك وطني ولا يمكن التفاوض بشأن سيادتها”.
أما في البرازيل، فقد أثارت قرارات ترامب بشأن زيادة الرسوم الجمركية على الصادرات البرازيلية توترًا كبيرًا، حيث هددت الحكومة البرازيلية برد حاسم، مؤكدة أنها لن تسمح بأي إجراءات تمس اقتصادها.
تصاعد التوترات.. وردود فعل دولية غاضبة
مع تزايد القرارات المثيرة للجدل، توالت ردود الفعل الدولية الغاضبة، إذ أصدر الاتحاد الأوروبي بيانًا مشتركًا مع عدة دول أكد فيه “رفضه القاطع لأي إجراءات أمريكية تمس السيادة الوطنية لدول أخرى أو تفرض قيودًا تجارية غير مبررة”، بينما وصفت ألمانيا تحركات ترامب بأنها “توجه خطير يهدد استقرار النظام الدولي”، في حين اعتبرت فرنسا أن “سياسات ترامب أحادية الجانب تضعف التعاون الدولي وتؤدي إلى مزيد من التوترات”.
في الشرق الأوسط، جاء الرد العربي واضحًا وقويًا، حيث أكدت مصر والأردن رفضهما القاطع لمخطط تهجير الفلسطينيين، وحذر البلدان من أن “أي محاولة لفرض واقع جديد على الأرض ستؤدي إلى عواقب وخيمة على استقرار المنطقة”.
سيناريوهات مستقبلية.. إلى أين تتجه الأوضاع؟
في ظل هذه المواجهات المتصاعدة، تتوقع الأوساط الدولية استمرار الصدام بين واشنطن وعدد من الدول، في عدة سيناريوهات محتملة:
تعزيز التحالفات العربية والدولية: قد تلجأ الدول المتضررة من سياسات ترامب إلى تعزيز تعاونها مع الصين وروسيا، وإبرام اتفاقيات اقتصادية وعسكرية للحد من النفوذ الأمريكي.
تصعيد تجاري عالمي: قد تتخذ دول مثل الصين والبرازيل والاتحاد الأوروبي إجراءات انتقامية ضد الولايات المتحدة، مما قد يؤدي إلى حروب تجارية جديدة تضر بالاقتصاد العالمي.
محاولات أوروبية للحد من النفوذ الأمريكي: من المتوقع أن تقود ألمانيا وفرنسا جهودًا لتعزيز استقلالية أوروبا عن السياسات الأمريكية، من خلال تطوير مشاريع مشتركة مع قوى دولية أخرى.
ختامًا.. مرحلة جديدة من الصدامات الدولية
من الواضح أن الولاية الثانية لدونالد ترامب لن تكون أقل حدة من الأولى، بل قد تشهد تصعيدًا أكبر مع العديد من الدول، خاصة بعد أن تخلص من ضغوط إعادة الانتخاب، وبات أكثر جرأة في اتخاذ قراراته. فهل ستنجح الدول المتضررة في احتواء سياسات ترامب، أم أن المواجهة المفتوحة بين الولايات المتحدة والعالم ستعيد تشكيل المشهد السياسي والاقتصادي الدولي بشكل غير مسبوق؟
تعليقات 0