ما نراه صفر على الشمال.. طبيب العيون المصري في غزة.. قصة إنسانية تتحدى القصف
في مطلع مايو، غادر الدكتور محمد توفيق، استشاري علاج الشبكية والجسم الزجاجي، الأراضي المصرية متجهًا إلى قطاع غزة، ليقدم يد العون للمصابين الفلسطينيين في ظل الحرب الشرسة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر الماضي.
تاركًا خلفه مركزه الطبي الشهير وأسرته، سافر الدكتور محمد ليكون بصيص أمل لمن فقدوا بصرهم وسط هذه الأهوال.
أول عملية جراحية في زمن الحرب
داخل المستشفى الأوروبي في خان يونس، أجرى الدكتور محمد توفيق أول عملية جراحية بالشبكية في قطاع غزة منذ بدء الحرب، ليصبح أول طبيب عيون مصري يدخل القطاع منذ اندلاع الصراع.
وانضم الدكتور محمد إلى فريق الطوارئ الطبي التابع لمنظمة الصحة العالمية، والذي يتألف من 19 طبيبًا من جنسيات مختلفة، وكان هو المصري الوحيد بينهم.
رحلة مليئة بالتحديات
كشف الدكتور محمد في تصريحات صحفيةأن رحلته إلى غزة كانت مقررة لـ12 يومًا فقط، لكنها امتدت إلى 20 يومًا بسبب إغلاق معبر رفح البري.
خلال هذه الفترة، أجرى حوالي 125 عملية جراحية، بمعدل 7 إلى 9 عمليات يوميًا، بالإضافة إلى استقبال حوالي 50 حالة يوميًا. وأوضح أن 90% من الحالات التي استقبلها كانت تعاني من انفجارات في العين وشظايا، وغالبية المصابين كانوا يعانون من انفصال شبكي ونزيف.
وضع صحي كارثي
وصف الدكتور محمد الوضع في غزة بأنه أسوأ بكثير مما تظهره الصور والفيديوهات، مؤكدًا أن القطاع الصحي في حالة يرثى لها، خاصة في تخصص العيون والشبكية الذي تضرر بشدة بسبب تدمير الأجهزة الطبية.
وقال: “ما نراه لا يعكس الحقيقة، الناس هناك بحاجة ماسة لأبسط الأشياء”.
كرم رغم المأساة
رغم الظروف الصعبة، لم يتخلَ أهل غزة عن كرمهم. الأطفال كانوا يدعون الدكتور محمد لحضور مسرحيات ويغنون ويلقون الشعر.
ويقول: “الشعب يعاني ومع ذلك الأطفال كانوا يقدمون عروضًا ليلية كنوع من الترحيب بنا، وأهل غزة كانوا يتشاجرون على عزومات الطعام رغم ظروفهم الصعبة”.
رسالة مؤثرة
سمع الدكتور محمد كلمات مؤثرة من أحد الأطباء الغزاويين: “إذا أردت تحمل ما نعيشه، خذ في الحسبان أنك في تجارة مع الله، وإذا لم تحسبها هكذا، ابحث عن أي وسيلة للخروج من القطاع واتركه”.
هذه الكلمات بقيت عالقة في ذاكرته، وزادت من عزيمته على مواصلة مهمته الإنسانية.
بين القاهرة وغزة
عاد الدكتور محمد إلى القاهرة يوم الاثنين 20 مايو، لكنه أكد أن تجربة غزة غيرت فيه الكثير. وقال: “بعد معايشة معاناة الحرب، من الصعب العودة للحياة الطبيعية.. أصبحت أشعر بالحرج حتى من الضحك.. عشت وسطهم وشاهدت معاناتهم”.
ومع ذلك، لن يتردد في العودة إلى غزة مرة أخرى، قائلاً: “الحمد لله على شرف هذه المهمة، سأذهب مرة أخرى بأقرب فرصة، الناس هناك يحتاجون إلى استمرار ما بدأناه”.
تعليقات 0