عندما تصبح الموانئ البحرية ساحة حرب.. التوترات الجيوسياسية تشل التجارة العالمية ومصر أبرز المتأثرين
تُعد الموانئ البحرية شرايين حيوية للاقتصاد العالمي، حيث تمر من خلالها نسبة كبيرة من التجارة الدولية. لكن مع تصاعد التوترات الجيوسياسية، خاصةً الحرب الروسية الأوكرانية،
ووجدت هذه الموانئ نفسها في قلب عاصفة من التحديات التي أثرت على حركة التجارة وسلاسل الإمداد.
وفي هذا التقرير، سنستعرض كيف تحولت هذه الموانئ إلى ساحة معارك اقتصادية، والانعكاسات التي ترتبت على ذلك على التجارة العالمية والاقتصادات المحلية.
الوضع الحالي للموانئ العالمية
منذ فبراير 2022، تعرضت الموانئ العالمية لصدمات كبيرة نتيجة الحرب الأوكرانية. تُعتبر موانئ البحر الأسود، مثل ميناء أوديسا، من أبرز المناطق المتضررة، حيث يُشكل الميناء نقطة حيوية لتصدير الحبوب الأوكرانية.
يستحوذ ميناء أوديسا على 65% من صادرات وواردات أوكرانيا، مما يجعله مركزًا أساسيًا في الاقتصاد الأوكراني.
لكن مع تصاعد الهجمات الروسية، شهدت الحركة التجارية في هذا الميناء تراجعًا كبيرًا، حيث انخفضت الواردات بشكل ملحوظ في عام 2024 مقارنة بعام 2023، حيث انخفض إجمالي البضائع في الموانئ الأوكرانية بشكل كبير.
وانخفض هذا الإجمالي من 153.7 مليون طن في عام 2021 إلى 59 مليون طن في عام 2022، مع ارتفاع طفيف إلى 62 مليون طن في عام 2023.
كما تأثرت صادرات الحبوب بشكل كبير، حيث انخفضت من 4.7 مليون طن متري في النصف الأول من عام 2024 إلى 380 ألف طن متري فقط في يوليو، مما ساهم في ارتفاع أسعارها.
وفي محاولة للتغلب على هذا التباطؤ، تمكنت موانئ أوكرانيا من معالجة حوالي 52.7 مليون طن من البضائع في الفترة من يناير إلى يونيو 2024، مقارنةً بـ 31.3 مليون طن في نفس الفترة من العام السابق، مع العلم أن حوالي 33.5 مليون طن من هذه البضائع كانت منتجات زراعية، مما يبرز التأثير الكبير للحرب على أسعار الغذاء العالمية.
التأثيرات على موانئ البحر الأسود
1. ميناء أوديسا
يعتبر ميناء أوديسا أحد أكبر الموانئ في البحر الأسود، ويؤدي دورًا رئيسيًا في ربط أوكرانيا بالعالم. في أغسطس 2024، تعرضت منشأة حبوب تابعة لشركة “لويس دريفوس” لهجوم صاروخي، مما أثر سلبًا على حركة الواردات. ووفقًا للإحصائيات، تراجعت الواردات في هذا الميناء بشكل كبير، مما انعكس سلبًا على الاقتصاد الأوكراني.
2. موانئ الدانوب
تمتلك موانئ الدانوب، مثل إزميل وريني وأوست دوناسيك، أهمية كبيرة في تجارة أوكرانيا. قدّر مركز “إنفورمال بي جي” أن مرافق شركة “نيبولون” لتخزين الحبوب يمكنها تصدير حوالي 170 ألف طن شهريًا. لكن الهجمات الروسية على هذه الموانئ أدت إلى تدمير 40 ألف طن من الحبوب في أغسطس 2023. ومنذ ذلك الحين، شهدت صادرات وواردات موانئ الدانوب تقلبات كبيرة، مما يعكس حالة عدم الاستقرار السائدة في المنطقة.
3. ميناء كونستانتا
توجهت أوكرانيا بعد الحرب إلى ميناء كونستانتا الروماني كبديل لتصدير الحبوب، حيث شحنت حوالي 8.1 مليون طن في السبعة أشهر الأولى من عام 2023. لكن في النصف الأول من عام 2024، انخفضت صادرات الحبوب الأوكرانية عبر ميناء كونستانتا بنسبة 43%، حيث بلغت 4.24 مليون طن.
4. ميناء تشورنومورسك وميناء ميكولايف
تعرض ميناء تشورنومورسك لهجمات صاروخية أدت إلى تدمير 60 ألف طن من الحبوب. وفيما يخص ميناء ميكولايف، رغم أهميته الاستراتيجية، فإنه يعاني من إغلاق منذ بداية الحرب، مما أثر على تكاليف الخدمات اللوجستية للمصدرين.
تأثيرات الحرب على حركة التجارة العالمية
1. تراجع حركة البضائع
تشير الإحصائيات إلى أن إجمالي البضائع في الموانئ الأوكرانية انخفض من 153.7 مليون طن في عام 2021 إلى 59 مليون طن في عام 2022، ثم ارتفع قليلًا إلى 62 مليون طن في عام 2023. ويعكس هذا التراجع الأثر الكبير للحرب على حركة التجارة.
2. ارتفاع أسعار الأغذية
تسببت التوترات الجيوسياسية في ارتفاع مؤشر أسعار الأغذية إلى 144.7 نقطة في عام 2022، مقابل 95.9 نقطة في عام 2018. ورغم انخفاضه في عام 2023، فقد ارتفع مرة أخرى ليصل إلى 120.7 نقطة في أغسطس 2024، مما يعكس تأثير الحرب على أسعار السلع الأساسية.
3. زيادة تكاليف الشحن
شهدت أسعار الشحن ارتفاعًا ملحوظًا، حيث ارتفعت من 1404 دولارات في سبتمبر 2023 إلى 5181 دولارًا في أغسطس 2024، مما يعني زيادة بنسبة 269.02%. هذا الارتفاع في تكاليف الشحن ينعكس بشكل مباشر على أسعار السلع المستوردة.
التحديات الاقتصادية للدول
تؤثر التوترات الجيوسياسية على العديد من الاقتصاديات العالمية، مما يؤدي إلى زيادة التضخم وعجز الموازنات في العديد من الدول. على سبيل المثال:
تركيا: سجلت تضخمًا بنسبة 51.97% في أغسطس 2024.
مصر: سجل عجز الموازنة 7.1% في عام 2023.
العراق: تحول فائض الموازنة إلى عجز بنسبة 7.7% في عام 2023.
الخلاصة
تُظهر التحليلات أن التوترات الجيوسياسية، وخاصة الحرب الروسية الأوكرانية، قد أحدثت تغييرات جذرية في حركة التجارة العالمية. بينما تضررت الدول المستوردة من ارتفاع تكاليف السلع، تعاني الدول المصدرة من تراجع في حركة التصدير. من المؤكد أن هذه التحديات تستدعي استجابة سريعة من الحكومات ومنظمات التجارة الدولية للحفاظ على استقرار الأسواق العالمية وضمان استمرار سلاسل الإمداد.
تعليقات 0