17 نوفمبر 2024 13:38
سيناء الإخبارية
سيناء الإخبارية

بريطانيا بين مطرقة دونالد ترامب وسندان أوروبا.. معركة الخيارات الاقتصادية تحاصر لندن

تجد المملكة المتحدة نفسها اليوم على حافة معضلة اقتصادية وسياسية كبرى، حيث تتزايد المخاوف من عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مع اقتراب الانتخابات الأمريكية.

ويُثار تساؤل مهم في الأوساط السياسية البريطانية: هل ستتمكن لندن من الموازنة بين تعزيز روابطها مع الاتحاد الأوروبي ومواجهة التحديات التجارية التي قد يفرضها ترامب؟ هذه المعادلة الصعبة تلقي بظلالها على الاقتصاد البريطاني وتضع صانع القرار في موقف حساس.

التحديات المرتقبة وتهديد الرسوم الجمركية
ويأتي هذا في وقت يستعد فيه رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، لحضور اجتماع مجموعة العشرين في البرازيل، حيث من المتوقع أن يفتح النقاش حول النمو الاقتصادي العالمي وأزمات الأمن.

لكن في الخلفية، تبرز تهديدات ترامب بفرض رسوم جمركية ضخمة بنسبة 60% على الواردات الصينية، وهو ما يضع العالم على أعتاب حرب تجارية محتملة.

وفي هذا السياق، حذر باسكال لامي، الرئيس السابق لمنظمة التجارة العالمية، قائلاً: “من الواضح أن مصلحة المملكة المتحدة تكمن في البقاء قريبة من الاتحاد الأوروبي. التجارة مع أوروبا تشكل العمود الفقري للاقتصاد البريطاني، فهي تتفوق على حجم التجارة مع الولايات المتحدة بثلاثة أضعاف”.

بريطانيا بين مطرقة دونالد ترامب وسندان أوروبا.. معركة الخيارات الاقتصادية تحاصر لندن

الضغوط الأمريكية والأوروبية على بريطانيا
وتأتي تحذيرات لامي متزامنة مع آراء مشابهة صرّح بها إيفان روجرز، السفير البريطاني السابق لدى الاتحاد الأوروبي، الذي قال: “لا يمكنك الحصول على الاثنين، يجب على بريطانيا الاختيار بين أوروبا والولايات المتحدة”.

وإن أي اتفاقية تجارة حرة محتملة مع إدارة ترامب ستتطلب تنازلات كبيرة قد تهدد العلاقات الوثيقة مع الاتحاد الأوروبي، خاصة في مجالات حساسة مثل المعايير البيطرية والوصول إلى الأسواق.

إلى جانب ذلك، يشير خبراء التجارة إلى أن واشنطن قد تطلب من بريطانيا أن تتبنى نفس السياسات الأمريكية تجاه الصين، وهو ما قد يضع المملكة المتحدة في مواجهة محتملة مع شركائها الأوروبيين الذين يتخذون مواقف مختلفة بشأن التجارة مع بكين.

بريطانيا بين مطرقة دونالد ترامب وسندان أوروبا.. معركة الخيارات الاقتصادية تحاصر لندن

البحث عن استراتيجية جديدة بعد البريكست
ومنذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حاولت لندن إعادة صياغة سياستها التجارية لتناسب الوضع الجديد.

لكن مع تصريحات محافظ بنك إنجلترا، أندرو بيلي، حول تأثير البريكست على الاقتصاد البريطاني، يبدو أن المملكة بحاجة إلى استراتيجية تجارية متجددة.

وتقول مصادر حكومية إن هذا التوجه أصبح ضرورة قصوى، خاصة مع التغييرات المحتملة في المشهد السياسي العالمي بعد انتخابات 2024.

وصرح مصدر حكومي بريطاني لصحيفة “الجارديان” قائلاً: “تحول إعداد استراتيجية جديدة من أمر بالغ الأهمية إلى أولوية قصوى بعد احتمال إعادة انتخاب ترامب”.

اختيار المسار الأوروبي أم الأمريكي؟
لا تزال الخيارات المتاحة أمام بريطانيا تمثل نقطة خلاف داخل الأوساط السياسية. جواو فالي دي ألميدا، السفير السابق للاتحاد الأوروبي في لندن، أعرب عن أمله في أن تجد المملكة المتحدة أرضية مشتركة للتعاون مع كلا الجانبين، قائلاً: “يمكننا إيجاد صفقات براجماتية بين لندن والاتحاد الأوروبي، وبين بريطانيا والولايات المتحدة”.

بريطانيا بين مطرقة دونالد ترامب وسندان أوروبا.. معركة الخيارات الاقتصادية تحاصر لندن

ويبدو أن الجانب الأمريكي بقيادة ترامب قد يتبنى سياسات أكثر صرامة مع حلفائه، ما يزيد من تعقيد الخيارات أمام لندن. ستيفن مور، مستشار ترامب الاقتصادي، دعا بريطانيا مؤخراً إلى الابتعاد عن “النموذج الاشتراكي للاتحاد الأوروبي” إذا أرادت إبرام اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة، محذراً من أن المملكة المتحدة قد تواجه رسوماً جمركية تصل إلى 20% على صادراتها إذا لم تنحز إلى السياسات الأمريكية.

العودة إلى الأرقام والعلاقات التجارية
وفي حديث مع صحيفة “الأوبزرفر”، أكد لامي: “يتعين على المملكة المتحدة النظر إلى الأرقام؛ العلاقة التجارية مع الاتحاد الأوروبي أكبر بثلاثة أضعاف من تلك مع الولايات المتحدة”.

وأشار إلى أن “هذا الترابط البنيوي بين الاقتصادين البريطاني والأوروبي لن يتغير بسهولة إلا إذا قررت بريطانيا الابتعاد عن معايير الاتحاد الأوروبي لصالح المعايير الأمريكية، وهو أمر غير واقعي”.

وشدد على أن “الخيار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الأمثل لبريطانيا هو التحالف مع أوروبا”. وأضاف: “التوجه نحو سياسات الولايات المتحدة تحت إدارة ترامب قد يؤدي إلى انقسامات داخلية ويضعف فرص بريطانيا في الحفاظ على موقعها في السوق الأوروبية الموحدة”.

بريطانيا بين مطرقة دونالد ترامب وسندان أوروبا.. معركة الخيارات الاقتصادية تحاصر لندن

تداعيات القرار على المدى الطويل
الخيار الذي ستتخذه لندن لن يحدد فقط مستقبل العلاقات الاقتصادية، بل سيمتد تأثيره إلى قطاعات أخرى مثل السياسة الخارجية، والدعم البريطاني لأوكرانيا، والالتزامات الأمنية المشتركة مع الحلفاء الأوروبيين.

فقد صرّح لامي قائلاً: “إذا تراجع ترامب عن دعم أوكرانيا، لا أشك في أن المملكة المتحدة ستظل متمسكة بموقفها الأوروبي”.

ختاماً، تجد المملكة المتحدة نفسها في مفترق طرق حرج، حيث سيعتمد مسارها المستقبلي على قدرتها على تحقيق توازن بين الشراكة مع أوروبا ومواجهة الضغوط الأمريكية. المعركة التي تواجهها لندن ليست مجرد تحدٍّ اقتصادي، بل اختبار حقيقي لاستراتيجيتها السياسية في عالم متغير.