كيف أحدثت الحرب على غزة انقسامات عميقة في المجتمعات الأوروبية وتعزيز التضامن بين الشباب المسلم
ترجمات
بينما تطور العالم بعد الحرب العالمية الثانية، كان الهدف من تأسيس المؤسسات السياسية في أوروبا هو تحقيق المصالحة بين الدول المتناحرة وتعزيز الهوية الأوروبية التي تركز على الانتماء والوحدة.
ومع مرور الوقت، ظهرت العديد من المنظمات السياسية والاقتصادية والثقافية التي كان يُفترض أن تكون بمثابة روابط تربط بين شعوب القارة، وتساعد في ضبط الهوية الوطنية داخل إطار أوروبي مشترك.
ولكن، مع تصاعد وتيرة الهجرة من دول الشرق الأوسط، وظهور موجات جديدة من الحركات المناهضة للهجرة، بدأت أوروبا تشهد تحديات جديدة، أبرزها انتشار مشاعر معاداة السامية والأزمات الاجتماعية المترتبة على الاختلافات الثقافية.
مؤخراً، أدت الحرب المستمرة في قطاع غزة إلى تفاقم هذه التوترات بشكل واضح، لا سيما بين الشباب المسلمين الذين يعيشون في أوروبا.
تزايدت مشاعر الغضب بسبب التصرفات الإسرائيلية في غزة، وهو ما أدى إلى تنامي شعور بالتهميش والغربة بين هؤلاء الشباب، الذين يلاحظون بشكل متزايد التأثيرات المباشرة لهذه الحرب على حياتهم اليومية. في العديد من المدن الأوروبية، اندلعت مظاهرات واحتجاجات حاشدة دعماً للفلسطينيين، لتصبح القضية الفلسطينية نقطة انقسام جوهرية.
واحدة من أبرز تلك الأحداث كانت خلال مسابقة “يوروفيجن” في مدينة مالمو السويدية، حيث تعرضت المغنية الإسرائيلية عدن جولان لاحتجاجات حادة من الجمهور، وتم تعديل كلمات أغنيتها لتجنب الجدل السياسي الذي صاحب ظهورها.
وعليه، أصبحت موسيقى وثقافة أوروبا ساحة لصراع آيديولوجي يتجاوز أبعاد الفن والترفيه إلى مسألة الهوية والانتماء.
وفي مجال الرياضة، تزامن هذا الصراع مع تصاعد العنف في الملاعب الأوروبية.
فبعد مباراة بين مكابي تل أبيب وأياكس في أمستردام، شنت مجموعة من المشجعين هجمات على آخرين من مؤيدي الكيان الصهيوني. ولتجنب وقوع مزيد من الاشتباكات، قامت السلطات الهولندية بفتح تحقيقات، بينما تم تعزيز الإجراءات الأمنية بشكل غير مسبوق في مباريات أخرى، مثل المباراة بين الكيان الصهيوني وفرنسا في باريس، حيث تم نشر أكثر من 4000 شرطي لتأمين اللقاء، في محاولة لمنع تكرار أحداث العنف.
تعيش العديد من المجتمعات الأوروبية حالة من القلق والتخوف، لا سيما في هولندا وألمانيا، حيث يشعر المسلمون بتزايد التوترات التي قد تؤثر على حياتهم اليومية.
ففي ألمانيا، يشهد المجتمع المسلم ردود فعل شديدة بسبب إلغاء فعاليات ثقافية كان من المقرر أن يدعم فيها فلسطينيون، إضافة إلى التضييق على بعض الفنانين والمثقفين الذين عبروا عن مواقف ضد الكيان الصهيوني.
في الوقت نفسه، تتزايد التحركات السياسية من قبل الأحزاب اليمينية المتطرفة، مثل “البديل من أجل ألمانيا”، التي تعزز الخوف من الهجرة وتحرض على التمييز ضد المهاجرين، ما يفاقم التوترات الداخلية في البلاد.
أيمن مزيك، رئيس المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا، حذر من أن تصاعد هذه الأجواء منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي قد خلق حالة من الخوف والقلق داخل الجاليات المسلمة، مشيراً إلى أن الهجمات على المساجد والمسلمين شهدت ارتفاعاً غير مسبوق هذا العام.
في باريس، قالت هيلين كونواي مورا، نائبة رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الفرنسي، إن الأجيال الشابة من المهاجرين المسلمين في أوروبا تجد نفسها في حالة من الضياع والانقسام بسبب تداعيات الحرب في غزة، وأن دعم الفلسطينيين أصبح وسيلة للتعبير عن الهوية والانتماء في ظل هذا الشعور بالاغتراب.
أما في أمستردام، فقد أكدت رئيسة البلدية بامكا هالسما أن العنف الذي وقع بعد مباراة كرة القدم كان مزيجاً من الغضب تجاه الأحداث في غزة ومعاداة السامية، لكنها شددت على ضرورة أن يكون الرد على هذه الأفعال من خلال الحوار لا من خلال الانزلاق إلى العنصرية.
وفي النهاية، تكشف هذه الأحداث عن التحديات الكبرى التي تواجهها أوروبا في التعامل مع قضايا الهوية والهجرة في سياق الأحداث السياسية والاقتصادية المتقلبة التي تمر بها القارة.
تعليقات 0