19 نوفمبر 2024 00:28
سيناء الإخبارية
سيناء الإخبارية

دونالد ترامب يعيد رسم خارطة السياسة الأمريكية.. الرئيس الجديد بين وعود العمال وصراعات الحزب الجمهوري

يواصل الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب كتابة فصل جديد في مسيرته السياسية، وهو فصل يكتنفه الجدل والغموض، ويهدف إلى إعادة تشكيل الخارطة السياسية بلمساته الفريدة.

ويبرز ترامب، الذي طالما اشتهر بنهجه الشعبوي وخطاباته الجريئة، كقائد قادر على كسر التقاليد السياسية وتحويل الحزب الجمهوري من منصة تقليدية إلى حركة شعبية قادرة على اجتذاب الطبقات العاملة.

وفقًا لتقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال“، يستند ترامب في استراتيجيته إلى استقطاب العمال الأمريكيين ذوي الياقات الزرقاء، الذين لطالما وجدوا ملاذهم في الحزب الديمقراطي. ومع ذلك، نجح ترامب في السنوات الأخيرة في اجتذاب قطاعات واسعة من هؤلاء العمال، مستفيدًا من خطابه الذي يتسم بالجرأة والشعبوية.

ويتجلى هذا التحول في تحركاته الأخيرة التي شهدت دعوته لشون أوبراين، رئيس نقابة سائقي الشاحنات، للتحدث في المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، في خطوة غير مسبوقة تهدف إلى ترسيخ قاعدة جديدة من الدعم بين العمال.

دونالد ترامب يعيد رسم خارطة السياسة الأمريكية.. الرئيس الجديد بين وعود العمال وصراعات الحزب الجمهوري

تحولات غير تقليدية وصراعات داخلية
إضافة إلى تعقيدات المشهد السياسي الذي يشهده الحزب الجمهوري اليوم، برز صراع داخلي محتدم بين تيارات مختلفة، يعكس التباين في الرؤى والاستراتيجيات داخل الحزب.

فعلى جانب، يتبنى الرئيس السابق دونالد ترامب خطابًا جريئًا ومؤيدًا للعمال، يروج لسياسات غير تقليدية تستهدف بناء جسور مع الطبقة العاملة ومناهضة النخب التقليدية التي طالما شكلت جزءًا من القاعدة التاريخية للحزب.

وهذا التوجه الجديد أثار جدلًا واسعًا في أروقة الحزب، حيث أن إعادة صياغة هذا الخطاب السياسي تمثل تحولًا جذريًا في الهوية الجمهورية.

في المقابل، يقف المحافظون التقليديون، الذين يرون في سياسات ترامب خروجًا عن المبادئ الراسخة التي شكلت دعائم الحزب لعقود، بحزم ضد هذه التغييرات.

وهؤلاء المحافظون يتمسكون بالسياسات الكلاسيكية التي تنادي بتقليل الضرائب والحد من التدخل الحكومي في الاقتصاد، وهي سياسات تعتبر جزءًا لا يتجزأ من الفلسفة الجمهورية التي تهدف إلى تعزيز حرية السوق وتمكين القطاع الخاص. من وجهة نظرهم، فإن التحركات التي يقوم بها ترامب لدعم النقابات العمالية ومحاولة استمالة العمال تشكل خروجًا عن القيم الجوهرية للحزب، بل وقد تُعتبر في نظر البعض انحرافًا عن المسار التاريخي للحزب الذي لطالما اعتُبر حصنًا للرأسمالية.

من جانب آخر، يتنامى داخل الحزب ما يُعرف بـ”تيار اليمين الجديد”، وهو تيار يضم شخصيات بارزة مثل جيه دي فانس، نائب الرئيس المنتخب، الذي يدعو إلى سياسات تتماشى مع مصالح الطبقة العاملة. ويشير هذا التيار إلى أن تحقيق توازن بين أجندة ترامب الاقتصادية ووعوده للعمال هو المفتاح للحفاظ على زخم القاعدة الشعبية المتنامية.

دونالد ترامب يعيد رسم خارطة السياسة الأمريكية.. الرئيس الجديد بين وعود العمال وصراعات الحزب الجمهوري
تضارب التصريحات وسجل مثير للجدل
تتجسد تناقضات ترامب بوضوح في تصريحاته المتباينة، فقد اعتمد في تجمعاته الانتخابية على خطاب داعم للعمال، لكنه في مقابلة مع الملياردير إيلون ماسك، دعا إلى فصل العمال المضربين، وعبّر بفخر عن عدم حبه لدفع أجور العمل الإضافي في مسيرته السابقة. هذه التناقضات أثارت الشكوك بين النقابات والطبقة العاملة حول مدى صدقية وعوده.

وفي فترة رئاسته الأولى، اتخذ ترامب خطوات أثارت حفيظة النقابات، منها تعيين محامين كانوا يمثلون مصالح الشركات الكبرى في مناصب رئيسية بالمجلس الوطني للعلاقات العمالية، ما أدى إلى تقليص قدرة العمال على التفاوض الجماعي. كما أصدرت وزارة العمل في عهده قرارًا يخفض عتبة الراتب الذي يحق للعامل عنده الحصول على أجر إضافي، ما حرم ملايين العمال من حقوقهم المكتسبة.

دونالد ترامب يعيد رسم خارطة السياسة الأمريكية.. الرئيس الجديد بين وعود العمال وصراعات الحزب الجمهوري

الجيل الجديد ووعود الإصلاح
على الرغم من الانتقادات التي يواجهها ترامب، يشهد الحزب الجمهوري تحولًا في بعض جوانب سياساته العمالية، خاصة بين الجيل الجديد من المشرعين. ففي عام 2021، دعم السيناتور ماركو روبيو تنظيم نقابة في مستودع تابع لشركة أمازون، وهو تطور جديد يعكس التوجهات المتغيرة في الحزب.

كما قدم السيناتور جوش هاولي تشريعًا يحظر على أصحاب العمل فرض اتفاقيات عدم المنافسة على العمال ذوي الأجور المنخفضة، وهو مقترح يعبر عن تحول في فهم القضايا العمالية داخل الحزب.

تحديات المستقبل وآفاق التحالفات
يواجه ترامب تحديًا كبيرًا في التوفيق بين وعوده الموجهة للطبقة العاملة وبين الضغوط الممارسة من قبل المحافظين التقليديين في الحزب.

ووفقًا لما ذكره أورين كاس، مؤسس مركز “أمريكان كومباس” للدراسات، فإن القرارات التي كانت تُتخذ تلقائيًا في الإدارات الجمهورية السابقة، مثل إلغاء العقود الحكومية المؤيدة للنقابات، لن تكون بالسهولة ذاتها في المرحلة القادمة.

ومع استمرار تناقضات ترامب بين خطابه المؤيد للعمال وسجله المثير للجدل، يبدي مسؤولو النقابات العمالية شكوكًا حيال نواياه الحقيقية.

فقد حذر ستيف سميث، المتحدث باسم اتحاد AFL-CIO، من أن “صدمة قاسية” قد تنتظر من يصدقون وعود ترامب، معتبرًا أن خطابه قد يكون مجرد ستار يخفي نوايا لمهاجمة حقوق الطبقة العاملة.

ختامًا، يبقى المشهد السياسي الأمريكي مفتوحًا على جميع الاحتمالات، حيث تتقاطع طموحات ترامب مع صراعات الحزب الجمهوري الداخلية وتطلعات الطبقة العاملة، في وقت يستمر فيه البحث عن حلول جديدة قادرة على إعادة تشكيل المستقبل السياسي للولايات المتحدة.