قطاع غزة تحت وطأة النهب.. 98 شاحنة مسروقة و25.5 مليون دولار حصيلة نهب العصابات المسلحة للمساعدات الإنسانية
في عمق معاناة قطاع غزة، حيث يواجه سكانها الفقر المدقع والجوع بسبب الحصار والقتال المستمر، يبرز مشهد مأساوي آخر يعمق أزمة الإنسانية في هذا القطاع المحاصر.
فقد تحولت المساعدات الإنسانية، التي كان يُفترض أن تكون شريان حياة لملايين الفلسطينيين الجائعين، إلى غنيمة للنهب على يد عصابات مسلحة منظمة، باتت تتحكم في تدفق الإمدادات إلى المناطق الأكثر احتياجًا.
وفي الوقت الذي كان فيه القليل من المساعدات التي تدخل غزة بمثابة شعاع أمل يضيء ظلمة المعاناة، أصبح الجوع نفسه يُسرق قبل أن يصل إلى شفاه الجائعين.
من مساعدات إنسانية إلى فريسة للعصابات المسلحة
بحسب تقرير لصحيفة “واشنطن بوست”، فإن المساعدات الإنسانية التي تدخل عبر معبر كرم أبو سالم، وهو المعبر الرئيسي في جنوب غزة، تتعرض لعمليات سرقة منظمة من قبل عصابات مسلحة تنشط في المناطق التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي.
وهذه العصابات، التي بدأت في البداية كحلقة من المدنيين اليائسين الذين يسرقون الغذاء من الشاحنات لتلبية احتياجات أسرهم، تطورت الآن إلى منظمات إجرامية مسلحة تستهدف شاحنات المساعدات على مدار الساعة.
وقد تحولت عمليات النهب هذه إلى نوع من التجارة المربحة، حيث يتم بيع المواد الغذائية والسلع الإنسانية في السوق السوداء بأسعار فاحشة، مما يزيد من تعميق المعاناة الإنسانية لأهالي القطاع.
الاحتلال الإسرائيلي: هل هو تواطؤ أم تقاعس؟
على الرغم من أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تُحمل حركة حماس مسؤولية سرقة المساعدات، تؤكد العديد من المنظمات الإنسانية والجهات المحلية في غزة أن التهديدات التي تواجهها الشاحنات وموظفو الإغاثة ليست من صنع حماس.
ففي شهادة من ميدانيين يعملون في المجال الإنساني، أُشير إلى أن العصابات المسلحة التي تستهدف المساعدات تعمل بحرية تامة في المناطق التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي.
وفي الوقت الذي يُفترض فيه أن يكون الجيش الإسرائيلي هو القوة المسيطرة على هذه المناطق، فإن التقارير تتحدث عن تقاعس واضح في التعامل مع هذه العصابات، ما يطرح تساؤلات عميقة حول مدى تواطؤ أو تقاعس الاحتلال في هذا الصدد.
خسائر فادحة في المساعدات الإنسانية
في ظل هذه الفوضى، تكبدت الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية خسائر فادحة في سلعها الإنسانية بسبب عمليات النهب المستمرة.
ففي أحد الحوادث الأخيرة، تعرضت 98 شاحنة من أصل 109 شاحنات محملة بالمساعدات الغذائية من الأمم المتحدة للنهب على يد عصابات مسلحة.
وخلال الهجوم، تم احتجاز السائقين لفترات طويلة وتدمير العديد من المركبات، مما أدى إلى إصابة عدد من العاملين في مجال الإغاثة.
وتعتبر هذه الحوادث جزءًا من ظاهرة مستمرة من النهب، التي بدأت في البداية كتفاعلات عشوائية من جائعين يائسين، لكنها تطورت لتصبح صناعة إجرامية منظمة تستخدم العنف لسرقة المواد الإنسانية.
تفاقم أزمة الغذاء: من الجوع إلى الموت البطيء
منذ أن بدأت الحرب الحالية، شهدت غزة انخفاضًا حادًا في كمية المساعدات التي تصل إلى القطاع، حيث تقلصت الإمدادات بشكل كبير، حتى مع النداءات المستمرة من المجتمع الدولي لزيادة المعونات.
في شهر أكتوبر الماضي، وصلت كمية المساعدات التي دخلت غزة إلى أدنى مستوياتها منذ بداية الحرب، وسط تزايد التهديدات بالعوز والفقر المدقع.
وفي الوقت الذي يشهد فيه القطاع صراعًا عنيفًا على الطعام والشراب، أصبحت السلع المهربة مثل السجائر سلعة مربحة بشكل غير مسبوق، حيث تباع علبة سجائر مكونة من عشرين سيجارة بحوالى ألف دولار أمريكي، وهو ما يعكس حجم الأزمة التي يعاني منها القطاع.
أزمة المعابر: حصار مزدوج
مع إغلاق معبر رفح الحدودي في مايو الماضي، الذي كان يشكل شريان الحياة الرئيسي للمساعدات الإنسانية، أصبح معبر كرم أبو سالم هو نقطة الدخول الوحيدة للمساعدات، وهو ما يزيد من تعقيد الوضع.
ومع استمرار عصابات النهب في استهداف هذه الشاحنات، يصبح الوصول إلى المساعدات أكثر صعوبة وخطورة. في الصيف الماضي، أصبحت عصابات النهب أكثر عنفًا وقوة، حيث تتعرض الشاحنات للهجوم بشكل متكرر من أجل الحصول على الغذاء أو السلع الممنوعة مثل السجائر المهربة، ما يجعل الحصول على المساعدات الإنسانية أمرًا بالغ الصعوبة.
السلطات الإسرائيلية: صمت يفاقم المعاناة
رغم المناشدات المتكررة من قبل منظمات الإغاثة الدولية لتوفير طرق أكثر أمانًا لحماية القوافل الإنسانية، فإن السلطات الإسرائيلية ترفض بشكل مستمر اتخاذ أي تدابير لحماية الشاحنات.
بل إن الجيش الإسرائيلي، الذي كان على مرمى البصر من عمليات النهب، اكتفى بالتفرج دون أي تدخل، ما يطرح تساؤلات حول دور الاحتلال في تمكين هذه العصابات من العمل بحرية.
المستقبل المجهول: استمرار معاناة غزة
من المؤكد أن النهب المستمر للمساعدات يفاقم الأزمة الإنسانية في غزة ويجعل من الصعب تلبية احتياجات ملايين الفلسطينيين.
ومع استمرار حصار غزة ورفض الاحتلال فتح المعابر بشكل كامل، يظل الوضع يزداد تعقيدًا. وقد كشف هذا الواقع المؤلم عن تزايد العنف والفوضى في قطاع غزة، حيث لا يمكن لأحد أن يتوقع كيف ستنتهي هذه الأزمة أو متى ستنتهي معاناة السكان في هذا القطاع المكلوم.
خسائر إنسانية وأمل مفقود
مع كل شاحنة تُنهب، ومع كل قطعة غذاء تُسرق، تزداد خسائر القطاع، ويتضاءل الأمل في حلول قريبة. في النهاية، يظل السؤال: من سيحمي أولئك الذين لا يملكون سلاحًا غير الأمل في أن يجدوا ما يسد رمقهم؟
تعليقات 0