123 دولة في مواجهة جرائم إسرائيل.. المحكمة الجنائية الدولية وتحدي محاكمة نتنياهو

أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف جالانت، بتهم جرائم حرب محتملة ارتكبت في قطاع غزة. يأتي هذا القرار ليؤكد اختصاص المحكمة بملاحقة مسؤولين إسرائيليين قضائيًا عن الانتهاكات خلال الحروب.

تأسيس المحكمة الجنائية الدولية ودورها
تأسست المحكمة الجنائية الدولية عام 2002 بموجب نظام روما الأساسي، كأول هيئة قضائية دولية دائمة مختصة بمحاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.

وتتمتع المحكمة بسلطة عالمية غير محددة بزمن، وتكمل دور الأجهزة القضائية الوطنية، حيث لا تمارس سلطتها إلا إذا كانت المحاكم المحلية غير قادرة أو غير راغبة في مقاضاة مرتكبي الجرائم.

يقع مقر المحكمة في لاهاي بهولندا، لكن يمكنها مباشرة إجراءاتها القضائية في أي مكان حول العالم. ومن الضروري التمييز بين المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة، حيث تختص الأخيرة بحل النزاعات بين الدول.

الدول الأعضاء بالمحكمة
حتى الآن، يبلغ عدد الدول الأعضاء المصادقة على نظام روما الأساسي 123 دولة، تشمل معظم دول أوروبا وأمريكا الجنوبية ونصف دول القارة الأفريقية، بالإضافة إلى بعض الدول الآسيوية. ومن بين الدول العربية، تعتبر الأردن، فلسطين، تونس، وجيبوتي من الأعضاء.

أما الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة، روسيا، الصين، والهند، فقد رفضت الانضمام إلى المحكمة، بينما انسحبت كل من إسرائيل والولايات المتحدة رسميًا من التوقيع على المعاهدة عام 2002.

اختصاصات المحكمة
تقتصر سلطة المحكمة على الجرائم التالية:

الإبادة الجماعية: تشمل الأفعال التي تهدف إلى إهلاك جماعة قومية أو عرقية أو دينية بشكل كلي أو جزئي.

الجرائم ضد الإنسانية: تشمل القتل، الإبادة، الاغتصاب، العبودية الجنسية، والإبعاد القسري للسكان إذا ارتكبت في إطار هجوم واسع النطاق أو ممنهج.

جرائم الحرب: تتعلق بالانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف لعام 1949، وتشمل قتل الأسرى أو استهداف المدنيين عمدًا.

جرائم العدوان: لم يتم تحديد مضمونها بشكل كامل في النظام الأساسي، لكن المحكمة ستباشر اختصاصها بشأنها عند استيفاء الشروط.

القضايا الدولية أمام المحكمة
منذ إنشائها، فتحت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقات في قضايا دولية حساسة، منها النزاعات في أوغندا، جمهورية الكونغو الديمقراطية، أفريقيا الوسطى، ودارفور. أصدرت المحكمة تسع مذكرات اعتقال حتى الآن، من بينها مذكرتا الاعتقال الصادرتان ضد نتنياهو وجالانت، وهو ما يعكس تحولًا تاريخيًا في تعامل المحكمة مع القضايا المتعلقة بالشرق الأوسط.

التحديات التي تواجه المحكمة
رغم الإنجازات التي حققتها المحكمة، فإنها تواجه انتقادات واتهامات بالتحيز من دول كبرى، مثل الولايات المتحدة وروسيا، التي ترى أن المحكمة تتعارض مع سيادتها الوطنية. بالإضافة إلى ذلك، تعترض بعض الدول على الطابع التكميلي للمحكمة الذي يسمح لها بممارسة سلطتها فقط عندما تكون المحاكم المحلية عاجزة عن محاكمة مرتكبي الجرائم.

الدول غير الأعضاء والموقف العربي
بينما يمثل انضمام بعض الدول العربية، مثل الأردن وفلسطين، دعمًا لقضية العدالة الدولية، فإن غياب العديد من الدول العربية الأخرى عن عضوية المحكمة يثير تساؤلات حول مدى التزامها بملاحقة الجرائم الدولية.

مستقبل القضية ضد نتنياهو وجالانت
القرار الأخير الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرتي اعتقال ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف جالانت يمثل خطوة تاريخية تحمل أبعادًا قانونية وسياسية. ومع ذلك، فإن تنفيذ هذه المذكرات يواجه تحديات كبيرة، خاصة مع عدم انضمام إسرائيل إلى نظام روما الأساسي ورفضها لسلطة المحكمة.

خاتمة
تمثل المحكمة الجنائية الدولية أداة قوية في مواجهة الإفلات من العقاب على الجرائم الجسيمة التي تهدد السلم والأمن الدوليين. ومع ذلك، فإن نجاحها يعتمد بشكل كبير على التعاون الدولي، سواء من قبل الدول الأعضاء أو تلك غير المنضمة إلى نظامها الأساسي. يبقى السؤال قائمًا: هل ستتمكن المحكمة من تحقيق العدالة في ظل التحديات السياسية واللوجستية التي تواجهها؟