305 شهيد و128 جريح في قرية الروضة.. يوم استباح الإرهابيون حرمة بيت الله
في يوم الجمعة الموافق 24 نوفمبر 2017، كانت قرية الروضة، التابعة لمركز بئر العبد في شمال سيناء، تعيش يومًا عاديًا يلفه الهدوء والسكينة، لم يكن سكان القرية يعلمون أن هذا اليوم سيتحول إلى لحظة فارقة في تاريخ مصر، وأن مسجدهم الذي اجتمعوا فيه للصلاة، سيصبح شاهداً على واحدة من أبشع الجرائم الإرهابية التي عرفتها البلاد.
اللحظات الأولى: الموت يحاصر المصلين
بينما كان أكثر 400 من المصلين يؤدون صلاة الجمعة في مسجد الروضة، هز انفجاران عنيفان جدران المسجد، لتتبعها لحظات مرعبة من إطلاق نار وقذائف.
المهاجمون، المدججون بالأسلحة الآلية والقذائف الصاروخية، لم يتركوا مجالًا للفرار، إذ كانوا يستهدفون الجميع دون تمييز. كل من حاول الهروب، وجد نفسه في مرمى رصاص غادر لا يعرف الرحمة.
الأرض غطتها الدماء، والجثث تناثرت داخل المسجد وخارجه. أطفال، شيوخ، وشباب كانوا جميعًا في دائرة الاستهداف.
وبلغ عدد الشهداء 305 أشخاص، بينهم 27 طفلًا، إضافة إلى 128 جريحًا، في مشهد مروع كشف عن وجه الإرهاب القبيح.
لماذا الروضة؟
اختيار مسجد الروضة لم يكن عشوائيًا. فهذا المسجد كان مركزًا روحيًا وتجمعًا للأهالي، ومرتبطًا بالطريقة الجريرية الصوفية التي طالما دعت إلى التسامح والتعايش. أراد المهاجمون إرسال رسالة مفادها أن التسامح لا مكان له في أجندتهم الإرهابية، وأنهم لن يترددوا في استهداف كل من يعارض فكرهم المتطرف.
جرائم متكررة تحمل بصمة واحدة
رغم أن أي جهة لم تعلن مسؤوليتها عن الهجوم بشكل صريح، إلا أن أصابع الاتهام أشارت إلى تنظيم “ولاية سيناء”، الفرع المصري لتنظيم داعش الإرهابي. التنظيم الذي سبق أن نفذ هجمات مشابهة في المنطقة، كان يسعى لإظهار قوته وتوسيع دائرة الرعب في شمال سيناء.
لم يكن هجوم الروضة الجريمة الوحيدة في سلسلة الاعتداءات الإرهابية في سيناء. ففي نوفمبر 2017، استهدف مسلحون قافلة شاحنات تنقل الفحم، مما أسفر عن مقتل 9 سائقين وحرق شاحناتهم.
وفي عام 2016، قام تنظيم “ولاية سيناء” بخطف وإعدام الشيخ سليمان أبو حراز، الذي كان يبلغ من العمر 98 عامًا، بالإضافة إلى شيخ آخر يدعى أقطيفان المنصوري، في جرائم تعكس استراتيجية التنظيم لإرهاب الأهالي وإضعاف الروح المعنوية.
الهجوم: تفاصيل الفاجعة
الهجوم على مسجد الروضة بدأ بتفجير عبوتين ناسفتين داخل المسجد أثناء خطبة الجمعة، أعقب ذلك دخول المسلحين بأسلحة آلية وقذائف “آر بي جي”، حيث أطلقوا النار عشوائيًا على المصلين.
وحين حاول الناجون الهرب، وجدوا أنفسهم في مواجهة وابل جديد من الرصاص. لم يكتفِ المهاجمون بذلك، بل عمدوا إلى استهداف سيارات الإسعاف التي كانت تحاول إنقاذ المصابين.
ضحايا أبرياء وشهادات دامية
وفقًا لبيان النائب العام، أسفر الهجوم عن استشهاد 305 أشخاص، بينهم 27 طفلًا، وإصابة 128 آخرين. شهادات الناجين كانت مؤلمة؛ إذ وصفوا كيف تحول المسجد من مكان للسكينة إلى مسرح للرعب والموت، وكيف حاول البعض حماية أطفالهم أو مساعدة المصابين وسط إطلاق النار المستمر.
ردود الفعل: صدمة وأمل في المواجهة
الحادث المروع أشعل موجة من الغضب والحزن في مصر وخارجها. محليًا، أعلنت رئاسة الجمهورية الحداد لمدة ثلاثة أيام، وأكد الرئيس عبد الفتاح السيسي في خطاب رسمي أن مصر ستثأر لدماء الشهداء، مشددًا على أن الإرهاب لن ينال من عزيمة المصريين.
اجتمعت الحكومة لاتخاذ خطوات سريعة لدعم أهالي الضحايا، حيث تم تخصيص تعويضات مالية بقيمة 200 ألف جنيه لكل أسرة شهيد و50 ألف جنيه لكل مصاب. كما أعلنت الحكومة عن خطة لإقامة نصب تذكاري في قرية الروضة تخليدًا لذكرى الضحايا، مؤكدة عزمها على تعزيز الأمن في شمال سيناء.
عالميًا، توالت الإدانات من مختلف الدول والمنظمات الدولية، التي وصفت الهجوم بأنه جريمة نكراء ضد الإنسانية. عبر قادة العالم عن تضامنهم مع مصر، داعين إلى تعزيز التعاون الدولي في مواجهة الإرهاب.
ما وراء الإرهاب: تحديات وأمل
هجوم مسجد الروضة لم يكن مجرد جريمة إرهابية، بل كان محاولة لضرب وحدة الشعب المصري وزرع الخوف في قلوب المواطنين. لكن، في وجه هذا الحزن العميق، برزت إرادة الحياة والصمود لدى أهالي الروضة وشمال سيناء، الذين أكدوا أن الإرهاب لن يثنيهم عن مواصلة حياتهم ومواجهة التحديات.
“لن ننسى”
حادثة مسجد الروضة ستظل جرحًا نازفًا في قلب مصر، لكنها في الوقت ذاته تمثل دعوة للوحدة والتكاتف ضد قوى الظلام. إنها تذكير بأن المعركة ضد الإرهاب ليست فقط معركة أمنية، بل أيضًا معركة فكرية وثقافية تتطلب جهودًا مستمرة لتحقيق السلام والاستقرار.
بين الألم والأمل، تظل مصر شامخة، عاقدة العزم على القضاء على الإرهاب واستكمال مسيرتها نحو مستقبل أكثر أمنًا وازدهارًا.
تعليقات 0