المشهد السوري والصفيح الساخن
بعد يوم واحد فقط من إعلان الاحتلال التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع حزب الله في لبنان، فُتحت جبهة جديدة في شمال غرب سوريا، وقد اقتحمت فصائل مسلحة بقيادة ما يسمى بـ”هيئة تحرير الشام”، أجزاء واسعة من مدينة حلب بسوريا، لتسيطر عليها، وتتقدم في محاور مختلفة للسيطرة على عدد من المناطق المحيطة، وأخرى قريبة من الطريق الدولي “حلب دمشق”، المعروف بـ “إم 5″، واستطاعوا قطع هذا الطريق، وقد انسحبت، القوات السورية أمام هذا الهجوم، وقالت وزارة الدفاع السورية في بيان لها إن قواتها انسحبت لامتصاصه، والحفاظ على أرواح الجنود والمدنيين، معلنة ـ فيما بعد ـ استعدادها للتصدي لأي هجمات.
وأمام هذا التطور المفاجئ على صعيد الأحداث في المنطقة، والتحول الخطير الذي تشهده سوريا في الوضع الميداني مع هذا الهجوم الكبير الذي شنته الفصائل المسلحة، في مشهد معقد تتداخل فيه أهداف داخلية مع المتغيرات الإقليمية، وكذلك المصالح المتشعبة سواء أكانت إسرائيلية أمريكية، أو إيرانية وتركية وروسية، وعلى الرغم من انحياز البعض إلى الرواية الأمريكية حول رفض الرئيس السوري بشار الأسد تطبيق القرار 2254 المتعلق بوقف إطلاق النار، والتوصل إلى تسوية سياسية للوضع في سوريا، واعتماده على إيران وروسيا هو سبب الظرف الحالي، ما يعني تعقد الأوضاع الداخلية، وهي قراءة لها وجاهتها، لكنها لا تنفصل عما يتبادر إلى الذهن من أسئلة تفرض نفسها حول توقيت الهجوم الذي جاء بعد يومٍ واحد من تهديد رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، للرئيس السوري بشار الأسد وتصريحه بأنه “يلعب بالنار”، وكأنها كلمة السر المتفق عليها لتحرك فصائل جبهة النصرة أو هيئة تحرير الشام أو القاعدة، ومجموعات أخرى معروفة بولائها لأنقرة، لتدير معاركها مجددًا في الأراضي السورية من جهة حلب شمال البلاد، وقد أدت المعارك مع الجيش السوري إلى نزوح نحو خمسة عشر ألف شخص، نصفهم من الأطفال، وأكدت الفصائل أنها سيطرت على مبنى المحافظة، والقصر البلدي ومقر قيادة الشرطة والساحة الرئيسية وسط المدينة، وسيطرت على أحياء سكنية بحلب ومدن في محافظة إدلب.
ما يحيلنا إلى مسألة وضع سوريا مجددًا في بؤرة المؤامرة الدولية والإقليمية، غير أن الأقرب للتصور الإبقاء على اشتعال المنطقة وشيطنتها بذراعٍ إسرائيلية ورعاية أمريكية، فنتنياهو الذي أشار إلى رفض سوريا وقف إمداد المقاومة في لبنان بالسلاح، هو نفسه الذي أعلن أن الاحتلال يتبع خطة منهجية لتغيير الواقع الإستراتيجي في الشرق الأوسط، ومن ثم توسعت جبهات القتال بعد غزة والضفة والجنوب اللبناني؛ لتدخل سوريا إلى الإطار المشتعل، حتى إن محللين عسكريين من الكيان نفسه رأوا أن المعارك المتواصلة مع المقاومة في حزب الله، قد أنهكت قواه وصار في موقف الدفاع، الأمر الذي أعطى الفرصة للفصائل من عناصر القاعدة باستغلال هذا الانهماك مع لبنان ليضربوا ضربتهم، وقد نتذكر هنا الغارات الإسرائيلية التي شنها جيش الاحتلال العام الماضي على سوريا والتي استهدفت منشآت تابعة لحزب الله، في محاولة لوقف الدعم الإيراني للحزب، وقد قالها بوضوح العقيد احتياط دانيال راكوف في تصريح له بإحدى صحف الكيان المحتل، أنه “من المتوقع أن يتسع مجال حرية الحركة الإسرائيلي في سوريا”، ولعلنا نتذكر حينما استطاع الجيش السوري في وقت سابق دحر التكفيريين، لجوء بعضهم إلى تل أبيب، كما نُشر تقرير مصور أظهر زيارة سليفان شالوم وزير داخلية الكيان السابق لجرحى مسلحي داعش الذين كانوا يتلقون علاجهم داخل مستشفيات إسرائيلية في تل أبيب، وأخرى على الحدود مع سوريا.
ومع هذا وإن كان العبث الإسرائيلي بالمنطقة واستهداف بقائها على صفيح ساخن، بلعبة تبادل الأدوار، والتي بصددها رأى محللون أن الاضطراب القادم قد يتجه نحو العراق، فإن كل هذا لا ينفي المشهد المعقد في سوريا من البداية؛ والقائم على المحك في انتظار نفخة في النار ينفثها الاحتلال وداعمته واشنطن؛ للمضي قدمًا في مخطط تغيير خارطة الشرق.
تعليقات 0