من قصور دمشق إلى رفاهية منفى موسكو.. رحلة السقوط المدوي لأسماء الأسد وأسرتها
في دهاليز التاريخ، وبين أروقة قصور الحكم تبرز حكايات تعكس هشاشة السلطة وزوالها مهما طال زمنها، وتظل حكاية أسماء الأسد واحدة من أبرز هذه القصص التي تروي مشهدًا مثيرًا يجمع بين البذخ والانهيار.
من شوارع أكتون الهادئة غرب لندن، حيث بدأت خطواتها الأولى، إلى أروقة القصور الرئاسية في دمشق، ثم إلى المنفى في موسكو، تشكل حياة أسماء الأخرس فصولًا متشابكة من الطموح السياسي والصراعات الأسرية.
من بدايات متواضعة إلى أضواء السلطة
وُلدت أسماء الأخرس في عام 1975 في لندن لعائلة سورية، والدها الدكتور فواز الأخرس كان طبيب قلب بارزًا، ووالدتها سحر الأخرس دبلوماسية متقاعدة.
ونشأت أسماء في بيئة اتسمت بالطموح العائلي، ودرست في كلية كينجز بجامعة لندن، حيث تخصصت في علوم الكمبيوتر والأدب الفرنسي.
بدايتها المهنية كمحللة مصرفية في لندن كانت واعدة، لكنها سرعان ما تحولت بشكل جذري بعد زواجها من بشار الأسد عام 2000.
وانتقلت أسماء إلى دمشق لتصبح “السيدة الأولى” التي سعت لإظهار صورة إصلاحية وحديثة للنظام السوري، ما أكسبها شهرة واسعة على المستوى الدولي.
الأحلام التي تحولت إلى كوابيس
رغم محاولات أسماء تقديم صورة المرأة العصرية والداعمة للتغيير، إلا أن الواقع كان مختلفًا تمامًا. ارتبطت أسماؤها وزوجها بشار الأسد بمنظومة من الفساد والقمع.
ومع اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سوريا عام 2011، تغيرت سمعة أسماء عالميًا. لم تعد تُرى كرمز للإصلاح، بل أصبحت جزءًا لا يتجزأ من نظام قمعي متهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
في تلك الفترة، تعالت الأصوات الدولية المطالبة بمحاسبة النظام السوري، وواجهت أسماء انتقادات واسعة بسبب دورها في دعم زوجها وممارسات النظام ضد الشعب السوري.
الهروب من لندن.. بداية رحلة المنفى
في الأسابيع الأخيرة، خلت فيلا العائلة في حي أكتون غرب لندن من قاطنيها. وأكد جيران أسماء ووالديها أن المنزل الذي عاشت فيه الأسرة لعقود أصبح فارغًا تمامًا.
و أشار بعض المقربين إلى أن الأسرة غادرت إلى موسكو، حيث تُظهر العلاقات الوثيقة بين عائلة الأسد والكرملين استعدادًا لهذا الانتقال.
وقال أحد الجيران الذين عاشوا بالقرب من الأسرة لمدة 30 عامًا: “لم أرَ أحدًا في المنزل طوال الأسبوع الماضي. يبدو أنهم غادروا إلى الخارج، ربما للانضمام إلى ابنتهم”.
ملاذ في موسكو.. حياة مترفة تحت الحماية الروسية
وفقًا لمصادر روسية، منح الرئيس فلاديمير بوتين اللجوء السياسي لعائلة الأسد.
وتُظهر سجلات العقارات أن الأسرة تمتلك ما يزيد على 20 شقة فاخرة في موسكو تُقدر قيمتها بأكثر من 40 مليون جنيه إسترليني، وهو ما يشير إلى أن التحضيرات لهذه المرحلة كانت جارية منذ سنوات.
رغم وجودهم في المنفى، لا يبدو أن أسماء وبشار قد تخليا عن نمط الحياة المترف الذي اعتادا عليه. فثروة العائلة، التي تُقدر بملياري دولار وفقًا لتقارير أمريكية، تمثل شبكة أمان مالية للعائلة، حيث تعتمد على استثماراتها الواسعة في موسكو وعلاقاتها السياسية مع النظام الروسي.
من “وردة في الصحراء” إلى رمز للفساد
لم تكن أسماء الأسد بمنأى عن الجدل. ففي عام 2011، نشرت مجلة فوج تقريرًا مثيرًا عنها بعنوان “وردة في الصحراء”، وصفتها فيه بأنها سيدة أولى أنيقة وعصرية. ولكن مع تطور الأحداث في سوريا، أُزيل التقرير من أرشيف المجلة بسبب الانتقادات العالمية لدورها في دعم النظام السوري القمعي.
تحديات المستقبل في المنفى
اليوم، تجد أسماء الأسد وعائلتها أنفسهم في مواجهة واقع جديد في موسكو، بعيدًا عن السلطة التي حكمت سوريا لأكثر من عقدين. ورغم نمط الحياة المترف الذي يعيشونه في المنفى، إلا أن مستقبلهم لا يزال محفوفًا بالغموض.
مع تزايد الإدانات الدولية ومحاولات تجميد أصولهم، تتزايد التساؤلات حول مصير هذه العائلة. هل سيستمرون في التمتع بحماية الكرملين وثروتهم الطائلة؟ أم أن سقوطهم السياسي سيكتمل بسقوط اقتصادي واجتماعي مدوٍ؟
مرآة لحقبة سياسية مضطربة
في النهاية، تظل قصة أسماء الأسد وعائلتها مرآة تعكس مشهدًا سياسيًا معقدًا، حيث تتشابك خيوط السلطة والطموح والفساد لتنسج حكاية سقوط مدوٍ. وبينما يكتب التاريخ فصوله الجديدة، تذكرنا هذه القصة بأن السلطة مهما بلغت عظمتها، مصيرها الزوال إذا فقدت ارتباطها بالعدالة والإنسانية.
تعليقات 0