نتنياهو على قمة جبل الشيخ.. إعلان هيمنة إسرائيلية واستراتيجية جديدة بعد انهيار سوريا
في لحظة مفصلية تكشف عن أبعاد جديدة للصراع الإقليمي، صعد رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى قمة جبل الشيخ في الأراضي السورية التي سيطرت عليها قوات الاحتلال مؤخراً، في زيارة تحمل رمزية عميقة وأهدافاً استراتيجية تتجاوز الحدود الجغرافية.
وتأتي هذه الخطوة بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد، حيث تسعى إسرائيل إلى تثبيت أقدامها في منطقة تشهد تحولات جذرية على المستويين العسكري والجيوسياسي.
صعود الجبل: الماضي يلتقي بالمستقبل
وقف نتنياهو على قمة جبل الشيخ – أعلى نقطة في سلسلة جبال لبنان الشرقية – مطلاً على هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967، مستحضراً ذكريات خدمته العسكرية قبل 53 عاماً عندما كان جندياً يشارك في صراعات المنطقة.
“لقد عدت إلى هنا اليوم، لكن هذه المرة كرئيس للوزراء، لمتابعة التزامي بحماية إسرائيل وتعزيز أمنها”، هكذا صرّح نتنياهو، مشيراً إلى التحول الذي شهدته أهمية الجبل، ليس فقط كرمز عسكري، بل كأداة استراتيجية في رسم معالم الأمن الإسرائيلي في مرحلة ما بعد انهيار الدولة السورية.
جبل الشيخ، الذي يمتد عبر الحدود السورية واللبنانية والإسرائيلية، لطالما كان موقعاً استراتيجياً في النزاعات العسكرية. ومن على قمته، تتحكم القوات المسيطرة في المشهد الجغرافي المحيط، مما يجعلها قادرة على مراقبة تحركات الأعداء وتوجيه العمليات العسكرية.
بالنسبة لنتنياهو، كانت الزيارة بمثابة تأكيد على تحول الأوضاع في المنطقة لصالح إسرائيل، حيث أشار إلى أن “أهمية هذا الجبل لأمن إسرائيل أصبحت أكبر من أي وقت مضى”.
زيارة تعيد تشكيل موازين القوى
لم تكن زيارة نتنياهو مجرد استعراض عسكري، بل رسالة سياسية واضحة بأن إسرائيل ترى في انهيار نظام بشار الأسد فرصة لتغيير قواعد اللعبة. قوات الاحتلال، التي توغلت في الأراضي السورية لمسافات تجاوزت 25 كيلومتراً، وصلت إلى مشارف العاصمة دمشق، لكنها نفت في الوقت نفسه وجود نية للتوغل نحو المدينة.
في تصريحاته، أكد نتنياهو أن قوات الاحتلال ستبقى في المنطقة العازلة التي تبلغ مساحتها 400 كيلومتر مربع، حتى يتم التوصل إلى “ترتيبات أمنية جديدة تضمن حماية إسرائيل من أي تهديد محتمل”،
وهو ما يعكس نية إسرائيلية لتثبيت وجود طويل الأمد في المنطقة، مستغلةً الفوضى الناتجة عن انهيار النظام السوري.
تحولات عسكرية كاسحة: دمار شامل للقدرات السورية
تزامناً مع هذه الزيارة، كشف الجيش الإسرائيلي عن حجم العمليات العسكرية التي نفذها خلال الأيام التي أعقبت سقوط نظام الأسد. أكثر من 500 غارة جوية دمرت 90% من الدفاعات الجوية السورية، بما في ذلك أنظمة صواريخ متقدمة مثل SA22 وSA17، بالإضافة إلى تدمير كامل لطائرات سوخوي 22 وسوخوي 24 السورية.
بحسب تقارير إسرائيلية، فإن هذه العمليات العسكرية قضت على حوالي 85% من سلاح الجو السوري، بينما دُمِّرت جميع الطائرات المسيّرة الهجومية التابعة للجيش السوري، مما منح إسرائيل تفوقاً جوياً غير مسبوق.
صحيفة “جيروزاليم بوست” وصفت هذا الوضع بأنه “تفوق لم يكن ممكناً في ظل وجود نظام الأسد”، مشيرةً إلى أن انهيار النظام السوري فتح لإسرائيل نافذة غير مسبوقة لإعادة رسم المشهد العسكري والجيوسياسي.
إدانات دولية ودعوات للانسحاب
زيارة نتنياهو وتصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الذي رافقه في الجولة، أثارت انتقادات واسعة من المجتمع الدولي. الأمم المتحدة، التي أنشأت المنطقة العازلة بين سوريا والجولان بعد حرب 1973، اعتبرت التحركات الإسرائيلية انتهاكاً واضحاً لاتفاق فض الاشتباك.
وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك: “الاحتلال هو احتلال، بغض النظر عن مدته”، داعياً إسرائيل إلى احترام الاتفاقيات الدولية والانسحاب من المناطق التي توغلت فيها.
رسائل سياسية وتحولات استراتيجية
رغم الإدانات الدولية، تبدو إسرائيل عازمة على استثمار هذه اللحظة التاريخية لترسيخ وجودها وتعزيز سيطرتها. وزير الدفاع كاتس أكد أن القوات الإسرائيلية ستبقى في جبل الشيخ والمنطقة العازلة لفترة طويلة، مشدداً على أن “هذا الموقع يمثل عيون إسرائيل لمراقبة أعدائها القريبين والبعيدين”.
كما أصدر كاتس أوامره ببناء تحصينات استعداداً لفصل الشتاء القاسي، مؤكداً أن البقاء في جبل الشيخ يُعد أولوية استراتيجية تفرضها التطورات الأخيرة في سوريا.
إعادة تشكيل الأمن الإقليمي
زيارة نتنياهو إلى جبل الشيخ لم تكن مجرد حدث عابر، بل تُعد مؤشراً على استراتيجية إسرائيلية جديدة تتطلع إلى ملء الفراغ الذي خلفه انهيار النظام السوري. ومع سيطرة الاحتلال على مواقع استراتيجية جديدة،
يبدو أن موازين القوى في المنطقة تدخل مرحلة إعادة تشكيل، تحمل معها تداعيات طويلة الأمد على مستقبل الصراع في الشرق الأوسط.
التحركات الإسرائيلية، التي تستند إلى التفوق العسكري والفراغ السياسي في سوريا، تعكس نهجاً جديداً لإسرائيل في التعامل مع التغيرات الإقليمية.
وبينما تسعى القوى الدولية إلى احتواء التوترات، تمضي إسرائيل في ترسيخ واقع جديد يجعل من قمة جبل الشيخ ليس فقط نقطة مراقبة، بل رمزاً لتوسع نفوذها في المنطقة.
تعليقات 0