العرب وكيفية التعامل مع ترمب
يستطيع العرب القيام بترتيب بيتهم الداخلي في مواجهة الترمبية من خلال تعزيز العلاقات بينهم، واستثمار أوراقهم لإعادة تغيير العلاقة مع الإدارة الأميركية.

يشكل وجود ترمب وهو برئاسة الإدارة الأميركية تهديدًا للقضايا العربية، وخاصة القضية الفلسطينية.
ولعل تاريخه بدورته الأولى التي اتخذ بها قرارات ضد القضية الفلسطينية، منها نقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لدولة الاحتلال وإعلانه عن صفقة القرن التصفوية، دليل واضح على دعمه دولة الاحتلال وتنكره لحقوق شعبنا.
يعبر ترمب عن الطغمة المالية، مما يفسر علاقته الوثيقة بإيلون ماسك .
ويعبر أيضا عن اليمين الشعبوي الذي يعكس نفسه بشعار «لنجعل أميركا عظيمة من جديد» .
يشكل منهج ترمب انقلابا على أسس النظام الرأسمالي الليبرالي، من خلال تقويض سياسة العولمة، واتباع إجراءات انغلاقية وحمائية تم التعبير عنها بحرب فرض الرسوم الجمركية على كل بلدان العالم، بما يشمل الأصدقاء وخاصة الاتحاد الأوروبي مع التركيز على الصين بوصفها المنافس الأقوى للاقتصاد الأميركي.
إن تحقيق شعار «أميركا أولا» و«العظيمة» دفع ترمب لإعادة إنتاج الإرث الاستعماري الذي يرمي إلى المطالبة بالاحتلال والضم العملي لبلدان من أجل تحقيق المصالح الأميركية، ومنها كل من كندا وغرينلاند وبنما، علما بأنها بلدان تعتبر صديقة للولايات المتحدة .
تتجلى النزعة الاستعلائية والعنصرية من خلال سياسة طرد ما يسمي بالمهاجرين (غير الشرعيين) كما تبرز من خلال الانسحاب من العديد من المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة.
يؤمن ترمب بالقوة كوسيلة ابتزاز لتحقيق المصالح، لكنه لا يرغب في الحروب، لأنها مكلفة ويفضل تحقيق أهدافه عبر سياسة الضغط والابتزاز .
لم تعد تحتاج «الترمبية» شعارات لتغليف سياستها الاستعمارية والاستغلالية بالعالم، والتي كانت تستخدمها الإدارات الأميركية السابقة ومنذ الحرب العالمية الثانية، مثل الدفاع عن قيم الحرية والديمقراطية وعن العالم الحر.
إن «الترمبية» تمارس سياستها عبر القوة العارية والمجردة من أي شعارات أخلاقية أو حقوقية أو إنسانية.
تحاول الدول والقوى المتضررة من الترمبية مواجهتها عبر القيام بتشكيل تكتلات وتعزيز الاستقلالية عن السيطرة الأميركية، كما هو بارز الآن بمحاولات بعض قادة بلدان الاتحاد الأوروبي فرض رسوم جمركية على السلع الأميركية، أي التعامل بالمثل، ودعوات ترمي إلى الانفصال عن حلف الناتو عبر تأسيس قوة عسكرية أوروبية مستقلة .
تحاول بلدان أخرى كذلك العمل على توسيع دائرة التحالفات، كما تقوم الصين بذلك مع جاراتها، معززة ذلك بسياسة حسن الجوار والعلاقات الأخوية المبنية على التفاهم وليس المصالح فقط .
تنظر إدارة ترمب لدولة الاحتلال بوصفها القاعدة المتقدمة لضمان مصالحها، حيث هناك علاقة عضوية بين دولة الاحتلال والولايات المتحدة .
تعزز العلاقة المشتركة أبعاد أيديولوجية، وخاصة المسيحية الصهيونية التي تحيط بإدارة ترمب من خلال العديد من الوزراء والمسؤولين في إدارته، وكذلك التقاطعات بالنظرة العنصرية والاستعلائية، وكذلك القواسم المشتركة بما يتعلق بسياسة التطهير العرقي التي قام بها المستعمرون البيض من بلدان أوروبا بحق السكان الأصليين في أميركا وأستراليا، وتشبيه ذلك بالاستعمار الصهيوني لفلسطين من منظور ترمب وإدارته.
وعليه، وأمام مخاطر الترمبية التي تدعم فاشية دولة الاحتلال بقيادة نتنياهو وتحالفه اليميني، فمن المهم التفكير بوسائل مواجهتها التي تعيد إنتاج الإمبريالية بأشكال جديدة.
يستطيع العرب القيام بترتيب بيتهم الداخلي في مواجهة الترمبية من خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية البينية بين البلدان العربية، واستثمار الأوراق المالية والاستثمارية والنفطية والموقع الاستراتيجي، لإعادة تغيير العلاقة مع الإدارة الأميركية، بحيث تصبح قائمة على أرضية «المصالح بالمقابل».
والمقابل الذي من الممكن أن يطلبه العرب تجاه القضية الفلسطينية يكمن بوقف المحرقة والإبادة الجماعية والتهحير بحق شعبنا في قطاع غزة، وربط التطبيع بإقامة دولة فلسطينية مستقلة بالاستناد للاعترافات الدولية الواسعة بها.
سيقوم ترمب في بداية الشهر القادم بزيارة السعودية التي وافقت على منح أميركا تريليون دولار .
توجد أموال خليجية هائلة بالبنوك الأميركية، كما أن منظمة الأوبك كانت قد قررت ربط إنتاج برميل النفط بعملة الدولار فقط.
تستطيع المملكة العربية السعودية التي تزايدت مكانتها مؤخرا من خلال استضافة مفاوضات أوكرانيا، أن تلعب دورًا محوريًّا تجاه القضية الفلسطينية، وذلك عبر معادلة الاستثمار مقابل وقف الحرب والدمار، ومعادلة التطبيع مقابل الدولة الفلسطينية.
تزداد فرص العرب بفرض معادلة جديدة مع ترمب، من خلال قدرة الأخير على ضبط توجهات نتنياهو العدوانية تجاه كل من إيران وتركيا، وكذلك عدم التنازل عن سياسة فرض رسوم جمركية على السلع الإسرائيلية بنسبة 17%، مما يوضح أهمية المال لدى ترمب، حتى لو كان ذلك على حساب دولة الاحتلال التي توصف بالطفل المدلل للولايات المتحدة.
وعليه.. فبالوقت الذي توجد تهديدات من سياسة ترمب، فإنه يوجد هامش من الفرص، حتى لو كان ضيقًا، ولكن بالإمكان توسيعه لصالح حقوقنا العربية والفلسطينية، ومن أجل إفشال سياسة التوسع الصهيونية المبنية على مشروع الشرق الأوسط الجديد.
تعليقات 0