فى كل ذكرى للانتصار على العدو الصهيونى، وتحرير أرض الفيروز، نتغنى بحب سيناء، ونحتفى ببطولات شيوخها وفرسانها، لكن تبقى فى الحلق غصة.
فثقافة بوادينا ما زالت تعانى من أغلال التهميش، رغم أنها جزء أصيل من فسيفساء ثقافتنا بما تشمله من عادات وتقاليد وأدب وشعر وفلكلور بديع وفنون تضيف إلى ثقافة النهر فى المركز جمالاً وثراءً.
الانتماء لدى سكان الأطراف يعد أحد أهم الأسئلة ذات الحساسية الدقيقة التى يطرحها علماء السياسة والاجتماع والأنثروبولوجيا.
غالب الإجابات تنحصر فى التنمية والوصول بالخدمات الأساسية من تعليم وصحة ومرافق ومشروعات اقتصادية إلى تلك المناطق.
المؤكد أنها إجابة صحيحة، لكنها منقوصة، فمسألة التنمية والخدمات تؤثر فى قضية الانتماء لدى باقى السكان، لذلك تعد غير مكتملة، حيث ينقصها البعد الثقافى الذى يحتل مكانة رئيسية لدى مواطنينا فى الصحارى المصرية الذين يعتزون بتراثهم.
تنسى الذهنية العامة لدى النخبة الثقافية أن بدو الصحراء المصرية أحد مكونات المجتمع المصرى الرئيسية عبر آلاف السنين، بينما يظهر فى وعيها المكون الصعيدى فى وجه قبلى، والريفى فى وجه بحرى، وبالكاد تذكر النخبة سكان السواحل كمكون ثالث.
وهذا يفسر تركيز المطالبين بتعمير سيناء على الجانب الدفاعى والأمنى دون الاقتراب من المسألة الثقافية رغم كونها إحدى الإجابات الرئيسية عن سؤال الانتماء، بل إن تلك المطالب اقتصرت غالباً على أرض الفيروز ولم نقرأ كثيراً عن مطالب مماثلة لبوادينا الممتدة فى الصحراء الغربية والشرقية.
النخبة الثقافية والإعلامية، كما أغلب المصريين فى محافظات وادى النيل، لا يعرفون شيئاً عن الثقافة البدوية، وبعبارة أخرى أهملت ثقافة المركز حول النهر ثقافة أبناء الصحراء، ولأنها تجهلها بالغت فى سؤال الانتماء.
فى المقابل، يلح مواطنونا البدو فى الإجابة عن هذا السؤال سعياً لكسب ثقة أبناء ثقافة النهر وطمأنتهم رغم بداهة دورهم الوطنى شأنهم فى ذلك شأن الصعيدى وابن الريف وساكنى مدن السواحل.
الدولة، وبعد انتصارها على الإرهاب بمعاونة أبنائنا البدو سواء بمقاتلة الجماعات التكفيرية أعداء الحياة فى سيناء، أو بتحصين حدودنا الغربية كى لا تكون ممراً لتهريب السلاح، أطلقت سلسلة من المشروعات التنموية فى الزراعة والصناعة والإسكان، غير أنها حتى الآن أغفلت البعد الثقافى فى سؤال الانتماء!
ما زالت ثقافة الصحراء تعانى التهميش، ولم تعمل ثقافة النهر على دمجها بمشتملاتها بحيث تكون حاضرة فى مختلف الفعاليات الثقافية والفنية، ناهيك عن الإعلام بكل أشكاله وصوره.
واحدة من علامات الشعور بالتهميش لدى البدو تجسدت بعد أحداث ثورة يناير ٢٠١١ فى سعى شيوخ وقبائل وعشائر بدوية إلى تأسيس أحزاب سياسية للإعلان عن وجودهم فى المجتمع.
فى ثقافة بدو مصر عادات وتقاليد ومنظومة قضائية تمنع إسالة الدماء فى قضايا الثأر، وتجعل من التنمر والتحرش جرائم نكراء لها عقوبات تكاد تمنع ارتكابها.
وفى ثقافة البدو أيضاً الشعر النبطى العذب، والسامر الذى يحيى الأفراح، وما يعرف بـ«رزع العجائز» لدى بعض القبائل، والمهاجاة لدى قبائل أخرى، حيث تجلس النسوة العجائز حول الرحايا ينشدن أغانى الفرح والحزن، وقد رأيتهن واستمعت إليهن بين بيوت قبيلة الأخارسة فى مدينة بئر العبد.
وهناك أغانى الكف والمجرونة المنتشرة بطول وعرض الصحراء الغربية.
فى ثقافة البدو موسم البياض الذى يحل قريباً، وفيه يجز صوف الغنم وسط احتفالات بهيجة تملؤها الأغانى وليالى السمر وموائد الكرم، حيث يتنافس أهلها بنحر الذبائح، وهو موسم يمكن استثماره بتنظيم رحلات سياحية للأجانب فى صحارى العلمين ومطروح، تماماً كما تنظم رحلات السفارى.
فى الصحارى المصرية حكايات ممتدة تتغنى ببطولات الشيوخ والفرسان وكرمهم، لا نعرف منها إلا القليل مثل حكاية الشيخ سالم الهرش الذى أوقع العدو الصهيونى فى شر أعماله بالاتفاق مع المخابرات المصرية، وملحمة سالم أبولافى، الفارس الذى قاتل الإرهاب إلى جانب الشهيد البطل أحمد المنسى، وكان مقصد المحتاجين والضعفاء من أبناء الصحراء.
هذه الحكايات وغيرها تحتاج إلى من يجسدها فى أعمال درامية تماماً كما تحتاج عادات البدو وتقاليدهم وتراثهم وشعرهم أن تقدم فى إعلام المركز على شاشات الفضائيات المصرية العامة والخاصة.
هذه دعوة إلى السيد رئيس الوزراء ومن بعده وزير الثقافة ورئيس الهيئة الوطنية للإعلام باعتبارهما رأسى الحربة فى معركة التنمية بأبعادها الثقافية وذلك بالتنسيق مع اتحاد القبائل المصرية.
تعليقات 0