الأموال الساخنة.. مخاطر لا يمكن الاستغناء عنها… إليك التفاصيل

24 يونيو 2024
الأموال الساخنة.. مخاطر لا يمكن الاستغناء عنها… إليك التفاصيل

بعد أن كانت الأموال الساخنة داعمة ومحفزة لهذه الاقتصاديات في الأعوام الماضية، إذ أن دخول هذه الأموال قد ساهم وبشكل فعال على استقرار أسعار صرف عملات الأسواق الناشئة، بالإضافة إلى تحسن ملحوظ في النشاط التجاري والاقتصادي فإن أغلب الاقتصاديين يحذرون من عملية الخروج السريع لهذه الأموال وما قد ينتج عنه من انهيار سريع للعملة المحلية والأنشطة التجارية.

حيث أسهمت “الأموال الساخنة” العام الماضي في عاصفة عنيفة ضربت العديد من اقتصاديات الدول النامية، بعد عمليات الخروج السريعة التي شهدتها هذه الأسواق بسبب رفع معدلات الفائدة من قبل الفيدرالي الأميركي والبنوك المركزية الكبرى حول العالم على أثر الأزمة الأوكرانية التي أججت معدلات التضخم لمستويات لم تشهدها منذ عقود في أغلب دول العالم المتقدم.

 

فالأموال الساخنة، هي المرونة التي يتمتع بها المستثمرون في نقل أموالهم بيسر وسهولة. إلى جانب خلق سيولة قصيرة الأجل للبلد المتلقي، ويمكن أن تؤثر الأموال الساخنة أيضًا على تدفق رأس المال في الدولة وسعر صرف العملة، وأيضا  إستراتيجية الاستثمار، حيث يقوم المستثمرون بنقل رؤوس أموالهم من بلد ،أو مؤسسات مالية، إلى دولة أخرى من أجل الاستفادة من الحركة الإيجابية في أسعار الفائدة.

واقتصادياً تُعرف الأموال الساخنة بأنها استثمارات غير مباشرة قصيرة الأجل، يتم ضخها في الأسواق عبر شراء أدوات الدين الحكومية، مثل أذون الخزانة والسندات، بجانب أسهم الشركات المدرجة في البورصة، وهي تتسم بسهولة دخولها وخروجها من الأسواق، وهو ما يحدث حالة من الإرباك، وخاصة عند خروجها، لما تحدثه من ضغط على الطلب على النقد الأجنبي.

ما هي آلية عمل وأوجه تدفق الأموال الساخنة؟

عادةً ما يتم استثمار هذه الأموال في الأصول التي من المتوقع أن ترتفع على المدى القريب أو يتم إيداعها في حسابات تقدم معدل فائدة حقيقياً أفضل.

بيد أن هذه الاستثمارات غالبًا ما تكون عالية المخاطر وقصيرة الأجل بطبيعتها مع القدرة على توليد مدفوعات كبيرة. تشمل بعض الطرق الأكثر شيوعًا للأموال الساخنة الأسهم والودائع والسندات والسلع والعملات والمشتقات.

وفي الأغلب الأعم، تجذب المؤسسات المالية الاستثمارات من مستثمري الأموال الساخنة عن طريق إصدار أدوات الاستثمار المختلفة (مثل شهادات الإيداع) التي تقدم معدلات فائدة تنافسية.

 

أمثلة للأموال الساخنة حول العالم.. الصين ومصر الأبرز

ويُعد اقتصاد الصين هو أحد الأمثلة الرئيسية للأموال الساخنة. خلال الفترة من 2006 إلى 2014، زاد احتياطي العملات الأجنبية في الصين عدة مرات ليصل إلى رصيد قدره 4 تريليونات دولار. وساد الاعتقاد أن جزءًا كبيرًا من الاحتياطي الأجنبي جاء في شكل أموال ساخنة حيث تم جذب المستثمرين من خلال الأسهم ذات العوائد المرتفعة والسندات ذات معدلات الفائدة المربحة.

على سبيل المثال، عندما يقوم البنك بتخفيض سعر الفائدة الخاص به بحيث يقدم سعرًا أقل من البنوك الأخرى، فإن مستثمري الأموال الساخنة يسحبون أموالهم على الفور من البنك بسعر أقل ويودعون الأموال في أي بنك يقدم سعرًا أعلى.

فيما تلجأ مصر إلى تلك الأداة باعتبارها الأسرع في التمويل ودعم سعر العملة، وهو الفخ الأكبر الذي وقعت فيه البلاد بعد التخارج السريع لأموال الأجانب في 2022 وما أعقبه من انهيار الجنيه وانتشار السوق السوداء وغيرها من الأزمات التي دفع ثمنها الاقتصاد والمواطن، حيث غادر اقتصاد البلاد عقب أزمة انهيار الجنيه وتسارع التضخم، أموال ساخنة بنحو 20 مليار دولار.

ومن أبرز العوامل التي تغذي الأموال الساخنة، ارتفاع سعر الصرف وكذا الفائدة، لكن المخاطر تكمن في أنه عند استحقاق آجال أذون الخزانة يكون سعر العملة قد تراجع بالمقارنة لوفرة المعروض الدولاري مع سعر شراء المستثمرين عند دخول مصر.

ويترتب على ذلك أنهم يجنون مكاسب من ارتفاع سعر العملة ومن الهبوط في سعرها أيضا، إذ يشترون الدولار بسعر منخفض عند الخروج بالمقارنة مع بيعه للحكومة بسعر مرتفع عند بداية الدخول، وبالتالي الدولة هي الخاسر الأكبر في تلك الآلية.

 

بينما يمكن ضرب المثل بالبرازيل في مجال التعامل الإيجابي مع ظاهرة الأموال الساخنة، فالدولة اللاتينية تبقى أسعار الفائدة فيها عند حدود 6.5% بما لا يجعلها جذابة للغاية بالنسبة لرؤوس الأموال العابرة، وفي الوقت نفسه تفرض رقابة صارمة على الأسواق المالية لتجنب حدوث مضاربات كبيرة على الأسهم أو العملات.

كما فرضت البرازيل ضرائب تصل إلى 50% على رؤوس الأموال التي لا تستقر لأكثر من عامين في البلاد، وذلك بهدف مواجهة ظاهرة الأموال الساخنة، وهي بذلك لا تمنع دخول رؤوس الأموال ولكنها أيضًا تحول دون تحولها لمركز مضاربات بما يضر بالاقتصاد المحلي.

التداعيات الاقتصادية.. والمستفيد الأكبر

الأموال الساخنة تدخل أي اقتصاد بحثاً عن الربح وتخرج عندما تتعرض لمشاكل. لذلك؛ خروجها السريع والمفاجئ من الاقتصاديات، قد يؤثر على سعر الصرف واحتياطيات النقد الأجنبية، وهو ما حدث بالفعل في مصر قبل أكثر من عامين، وكان جزءا من الأزمة الاقتصادية التي تلقي بظلالها حتى اللحظة.

قد يؤدي التدفق الكبير لرأس المال على المدى القصير إلى ارتفاع أسعار الأصول إلى جانب اتساع عجز الحساب الجاري وزيادة التضخم. يمكن أن يؤدي هذا التدفق أيضًا إلى تضخيم القاعدة النقدية مما يؤدي إلى طفرة ائتمانية.

أيضًا قد يؤدي هذا التدفق إلى ارتفاع سعر صرف العملة. إذا استمر هذا الأمر، فقد يؤثر سلبًا على أعمال التصدير في الدولة حيث ستصبح سلعها وخدماتها أكثر تكلفة من المنتجات المماثلة من البلدان الأخرى.

عودة تدفق الأموال الساخنة على مصر.. ومخاوف من سيناريو 2022

وفي الوقت الراهن، عادت استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومي، أو ما يعرف بـ”الأموال الساخنة”، في التدفق على مصر من جديد، لتبلغ مستوى غير مسبوق، متجاوزة 30 مليار دولار في مارس/آذار 2024، لترتفع معها حدة التحذيرات والمخاوف من تكرار أزمة الأموال الساخنة في مصر، خوفا من الوقوع في كبوة العام 2022 عقب اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية، حيث هرب أكثر من 20 مليار دولار من تلك الاستثمارات بشكل مفاجئ، ما دفع القاهرة إلى اللجوء لصندوق النقد الدولي من أجل اتفاق تمويل جديد.

وجاءت التحذيرات في وقت لاحت فيه تكهنات بقرب خفض الفائدة في مصر هذا العام، خاصة مع الاتجاه العالمي في هذا الصدد، وانتظارا لبدء تحرك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي) على المنوال نفسه.

وفضلاً عن ذلك، المخاوف من تصاعد حدة التوترات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط، والتي تنعكس تداعياتها على المستوى الإقليمي.

وعقب قرار تعويم الجنيه في مارس/آذار 2024 لضمان مرونة العملة وفق آليات الطلب والعرض بسوق الصرف، انهالت العروض على شراء أدوات الدين الحكومية مع الانخفاض الشديد لسعر الجنيه مقابل الدولار، ما أسهم في تغطية الطلب على أذون الخزانة بأضعاف الرقم المستهدف بيعه وارتفاع العائد المقدم، والذي تخطى 30%.

وارتفعت إصدارات أدوات الدين المصرية متمثلة في أذون الخزانة منذ قرار تعويم العملة حتى نهاية مايو/أيار الماضي بنسبة 141.3%، لتبلغ 1.46 تريليون جنيه (30.8 مليار دولار)، مقابل 12.8 مليار دولار بمقارنة سنوية، وفقا لبيانات البنك المركزي.

ووفق الشركة المصرية للإيداع والقيد المركزي، وهي الذراع الحكومي لإيداع وقيد وتسوية الأوراق والأدوات المالية الحكومية التي تضم أذون وسندات الخزانة، بلغت تداولات أدوات الدين في السوق الثانوية بالبورصة نحو 87 مليار دولار بالربع الأول من 2024.

وثمة مخاطر أخرى تهدد بقاء الأموال الساخنة عند معدلاتها الحالية، وهي توقعات ورغبة المركزي خفض العائد على أذون الخزانة، حال خفض الفائدة.

وقد يواجه ذلك الخفض على أذون الخزانة رفضاً من وزارة المالية التي يطرح المركزي تلك الأذون نيابة عنها، للحفاظ على الأموال الساخنة، وهو السيناريو الأقرب المتوقع حدوثه.

ومع تعالي التحذيرات ودق أجراس الإنذار، ذكرت اللجنة الاقتصادية بالبرلمان، أن خطة العام المقبل تتجنب التوسع في الاقتراض عبر الأموال الساخنة وتتعامل بحرص في هذا الشأن، لعدم تكرار أزمة الخروج الجماعي منذ نحو عامين.

وختاماً، يمكن القول إنه لا يمكن الاعتماد على الأموال الساخنة في تمويل التنمية أو تحقيق معدلات نمو مرتفعة، أو حتى في مجال تشجيع الاستثمار المباشر، لكنها تظل بصورة أو بأخرى مؤشراً يعكس بعض الإيجابية عن الاقتصاد المصري.

تلك الأموال في الأساس تربك الاقتصاد لعدم تدفق الدولار بشكل كبير إلى السوق المحلية، ما يدفع السلطات إلى استخدامها في دعم العملة. لذلك؛ من الأجدى اقتصادياً تأسيس صندوق خاص بها، وعدم ضمها للاحتياطي الأجنبي، لضمان استخدامها في تلبية طلبات المستوردين أو لأي غرض بخلاف مساندة العملة.

وتبقى الفرصة الوحيدة التي تتيحها عودة الأموال الساخنة لمصر، هي إحداث زيادة في عرض النقد الأجنبي، وهو ما يساعد على تحسين سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية. ولكن هذا مشروط بحسن أداء وإدارة الحكومة لمواردها من النقد الأجنبي، وأن تنظر الحكومة إلى هذه الأموال على أنها أداة استثنائية، بسبب أعبائها على الدين العام من جهة، ومن جهة أخرى اتسامها بعدم الاستقرار أو الاستدامة.