اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس.. بداية سلام مستدام أم استراحة قصيرة في صراع طويل
شهدت الأراضي الفلسطينية تطورًا دراماتيكيًا مع إعلان إسرائيل وحركة حماس التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بعد 15 شهرًا من القتال المستمر.
الاتفاقية، التي جاءت بعد مفاوضات ماراثونية بوساطة دولية شملت قطر ومصر وتركيا والولايات المتحدة، تمثل علامة فارقة في صراع دموي أودى بحياة آلاف المدنيين وخلف دمارًا هائلًا في قطاع غزة.
ومع ذلك، يظل الاتفاق محفوفًا بالتساؤلات حول دوافعه وإمكانية صموده في ظل التوترات المتصاعدة بين الطرفين.
أخبار تهمك
مفاوضات مضنية ومشهد إقليمي معقد
الاتفاقية لم تكن نتيجة رغبة مشتركة في السلام بقدر ما كانت نتاجًا لضغوط هائلة فرضتها عوامل داخلية وخارجية على الطرفين.
إسرائيل، التي كانت تخوض حرب استنزاف طويلة ضد حماس، وجدت نفسها مضطرة للبحث عن تهدئة مؤقتة بعد أن تعرضت لضغوط داخلية من المعارضة اليمينية، وضغوط خارجية من حلفائها الدوليين، خاصة الولايات المتحدة.
في المقابل، واجهت حماس أوضاعًا غير مسبوقة. فقد شكل اغتيال زعيمها يحيى السنوار نقطة تحول كبيرة، حيث انتقلت القيادة إلى شقيقه محمد السنوار، الذي ورث وضعًا عسكريًا وسياسيًا بالغ التعقيد.
والحركة تكبدت خسائر جسيمة، إذ فقدت نحو 17 ألف مقاتل، بحسب الجيش الإسرائيلي، بالإضافة إلى تدمير بنيتها العسكرية بشكل شبه كامل.
التفاصيل الدقيقة للاتفاقية
الاتفاقية تضمنت عدة مراحل تبدأ بوقف فوري لإطلاق النار، مع التزام الطرفين بالامتناع عن أي تصعيد.
كما نصت على إطلاق إسرائيل سراح مجموعة من السجناء الفلسطينيين، بينهم نساء وأطفال، في مقابل إفراج حماس عن 33 رهينة إسرائيليًا، بينهم مصابون وأطفال، وتسليم جثث جنود إسرائيليين قتلوا في المواجهات.
المرحلة الثانية من الاتفاق تشمل تفاوض الطرفين على آلية لإعادة إعمار غزة بدعم دولي، مع تقديم ضمانات من قطر ومصر وتركيا بعدم استئناف القتال.
الدوافع الإسرائيلية: بين الضغط الداخلي وتغير الأولويات
بحسب تقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال”، فإن قبول إسرائيل بالصفقة لم يكن خيارًا سهلاً، بل جاء نتيجة تغييرات استراتيجية كبرى. ففي النصف الأول من عام 2024، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يواجه أزمات متعددة على الصعيدين الداخلي والإقليمي.
داخليًا، كان نتنياهو يواجه معارضة شرسة من التيارات اليمينية المتطرفة التي انتقدت طول أمد الحرب في غزة، فضلاً عن احتجاجات شعبية ضد تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية.
إقليميًا، تصاعدت التهديدات من إيران وحزب الله، فيما أدى انهيار نظام الأسد في سوريا إلى إعادة ترتيب الأوراق في المنطقة.
عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض شكلت أيضًا ضغطًا إضافيًا، حيث هدد ترامب بتدخل أمريكي مباشر إذا لم تُنهِ إسرائيل أزمة الرهائن. هذه العوامل مجتمعة دفعت نتنياهو إلى قبول الصفقة كحل مؤقت يتيح لإسرائيل فرصة إعادة ترتيب أولوياتها.
حماس بين ضغوط المعركة وتحديات القيادة
على الجانب الآخر، كانت حماس تواجه وضعًا شديد التعقيد. اغتيال يحيى السنوار أدى إلى ارتباك في صفوف القيادة العسكرية والسياسية للحركة، بينما وجدت القيادة الجديدة نفسها أمام واقع ميداني صعب.
بحسب محللين، كانت حماس تعتقد أن احتجاز الرهائن سيشكل ورقة ضغط قوية ضد إسرائيل، لكنها فوجئت برد فعل إسرائيلي عنيف أدى إلى تدمير كبير في بنيتها التحتية وخسائر بشرية فادحة.
ومن جهة أخرى، لعب الضغط الشعبي داخل غزة دورًا حاسمًا في دفع الحركة لقبول الصفقة، حيث طالبت العائلات الفلسطينية بإنهاء المعاناة اليومية الناتجة عن القصف المستمر والدمار الواسع.
التحديات المستقبلية: بين الهشاشة والفرص
رغم الترحيب الدولي بالاتفاقية، إلا أن العديد من الخبراء يحذرون من هشاشتها. فالمعارضة الداخلية للصفقة في إسرائيل قد تعرقل تنفيذها، خاصة مع وجود تيارات يمينية متطرفة ترى في إنهاء الحرب فشلاً استراتيجيًا.
على الجانب الفلسطيني، يواجه قادة حماس تحديًا كبيرًا في إقناع القاعدة الشعبية بجدوى الصفقة، خاصة في ظل حالة الإحباط الناجمة عن تدهور الأوضاع الإنسانية في القطاع.
المرحلة المقبلة من الاتفاق ستتطلب من الطرفين التفاوض على وقف دائم لإطلاق النار يشمل إطلاق جميع الرهائن، ووضع خطة شاملة لإعادة إعمار غزة.
وسطاء دوليون أكدوا أن الولايات المتحدة وقطر ومصر وتركيا قدمت ضمانات شفهية لحماس بأن إسرائيل ستلتزم بالتفاوض على هدنة طويلة الأمد.
نحو مستقبل مجهول
رغم أن الاتفاقية تمثل خطوة هامة نحو التهدئة، إلا أن التساؤلات تبقى قائمة حول قدرتها على الصمود. هل ستكون هذه الصفقة بداية حقيقية لسلام مستدام، أم مجرد استراحة قصيرة في صراع طويل ومعقد؟
الأيام المقبلة ستكشف عن مدى جدية الطرفين في الالتزام بتعهداتهما، وعن قدرة المجتمع الدولي على لعب دور فعّال في تحويل هذه التهدئة إلى حل دائم ينهي معاناة الشعب الفلسطيني ويفتح الباب أمام مستقبل أكثر استقرارًا للمنطقة.
تعليقات 0