غرفة تحت الأرض تكتب نهاية إمبراطورية نتنياهو.. محاكمة تاريخية لرئيس وزراء الاحتلال
في غرفة محصنة تحت الأرض بمجمع المحاكم في تل أبيب، تبدأ فصول جديدة من دراما سياسية وقضائية هي الأبرز في تاريخ إسرائيل المعاصر.
بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الأطول حكمًا في دولة الاحتلال الإسرائيلي، يقف على منصة الاتهام في محاكمة تاريخية تواجهه فيها اتهامات بالفساد والرشوة وخيانة الأمانة.
ومع استمرار العمليات العسكرية في غزة والتوترات الإقليمية المتصاعدة، تتحول هذه المحاكمة إلى اختبار حاسم ليس فقط لمستقبله السياسي، بل أيضًا لقدرة إسرائيل على تحقيق العدالة في أعلى مستويات السلطة.
أخبار تهمك
نتنياهو أمام القضاء: من الزعامة إلى الاتهام
بعد سنوات طويلة من تصدره للمشهد السياسي الإسرائيلي، يجد نتنياهو نفسه الآن في مواجهة مع القضاء في واحدة من أكثر المحاكمات تعقيدًا في تاريخ الدولة.
وبدأ مسار المحاكمة في عام 2020 ويتضمن ثلاث قضايا رئيسية تتعلق باتهامات بتلقي هدايا فاخرة من رجال أعمال، وتقديم تسهيلات تنظيمية مقابل تغطية إعلامية إيجابية من قبل مؤسسات إعلامية كبرى، بالإضافة إلى قضايا تتعلق بسوء استخدام السلطة.
وسط إجراءات أمنية مشددة، قررت المحكمة نقل جلسة استماع مرتقبة إلى غرفة محصنة تحت الأرض في محكمة تل أبيب، حيث يُتوقع أن يدلي نتنياهو بشهادته لأول مرة.
وهذه الخطوة تعكس ليس فقط حساسية القضية، بل أيضًا حالة التوتر الأمني الذي يخيّم على إسرائيل نتيجة الحرب الدائرة في غزة والتحديات الأمنية المتصاعدة على الجبهتين الشمالية والجنوبية.
تفاصيل القضايا الثلاث: ملفات ثقيلة تُهدد الإرث السياسي
القضية الأولى تتعلق باتهامات لنتنياهو بالتورط في صفقة مع مالكي مؤسسات إعلامية كبرى لضمان تغطية إيجابية لأنشطته السياسية مقابل تقديم تسهيلات تنظيمية.
أما القضية الثانية فتتعلق بتلقيه وزوجته هدايا ثمينة تشمل مجوهرات وزجاجات شمبانيا من شخصيات نافذة، من بينها منتج أفلام هوليوودي بارز.
القضية الثالثة تتضمن اتهامات باستخدام منصبه للضغط على مسؤولين لتنفيذ صفقات تحقق مصالح شخصية. ووفقًا للادعاء، قدمت النيابة العامة أكثر من 140 شاهدًا من ضمنهم مسؤولون بارزون في الأجهزة الأمنية ورئيس وزراء سابق، بالإضافة إلى أدلة تشمل تسجيلات صوتية ورسائل نصية ووثائق قانونية.
تداعيات المحاكمة على المشهد السياسي والأمني
تأتي هذه المحاكمة في وقت استثنائي بالنسبة لإسرائيل، حيث تقود حكومة نتنياهو حربًا واسعة ضد غزة في أعقاب هجمات 7 أكتوبر. ورغم أن تلك الهجمات كشفت عن ضعف استعداد الحكومة، إلا أنها أيضًا ساعدت نتنياهو في استعادة بعض النفوذ السياسي باعتباره القائد الأعلى في زمن الحرب.
ومع ذلك، يرى معارضوه أن الحرب تمثل محاولة لتشتيت الانتباه عن المحاكمة. ويُتهم نتنياهو بأنه يسعى إلى استغلال الأزمة الأمنية لتأجيل المحاكمة وتحويل الأنظار عن الأزمات الداخلية التي تواجه حكومته، بما في ذلك الانقسام الشعبي الناجم عن محاولاته السابقة لتمرير إصلاحات قضائية مثيرة للجدل.
الانتقادات الدولية والشهادات المؤثرة
الانتقادات لم تقتصر على الداخل الإسرائيلي. ففي مقابلة مع صحيفة “نيويورك تايمز”، وجه الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون انتقادًا ضمنيًا لنتنياهو، معتبرًا أن الهجمات الأخيرة ألقت بظلالها على إرثه السياسي، لكنها في الوقت نفسه وفرت له فرصة لتعزيز موقعه كقائد خلال الأزمة.
أما داخل المحكمة، فقد أثارت الشهادات التي تم تقديمها خلال الجلسات السابقة صدمة لدى الرأي العام الإسرائيلي، حيث تضمنت تسجيلات صوتية تبرز محاولات نتنياهو للسيطرة على وسائل الإعلام، بالإضافة إلى تفاصيل عن نمط حياة أسرته الفاخر.
كما كشفت التقارير عن استخدام الشرطة لبرامج تجسس لمراقبة الشهود، مما أضاف تعقيدًا إضافيًا للقضية.
اختبار للنظام القضائي ومستقبل غامض
رغم التحديات الأمنية والسياسية، تمثل محاكمة نتنياهو اختبارًا حاسمًا للنظام القضائي الإسرائيلي وقدرته على معالجة قضايا الفساد على أعلى المستويات. ورغم أن الحكم النهائي لن يصدر قبل عام 2026، إلا أن ظهور نتنياهو أمام منصة الشهود يعتبر لحظة محورية قد تؤثر بشكل كبير على مستقبله السياسي.
في الوقت نفسه، تظل التساؤلات قائمة حول مدى قدرة نتنياهو على الصمود أمام الضغوط المتزايدة. هل سيتمكن من استعادة صورته كزعيم لا يُقهر، أم أن المحاكمة ستضع نهاية لمسيرته السياسية الطويلة؟
صراع القانون والسياسة في إسرائيل
مع استمرار المحاكمة، تتشابك خيوط السياسة والقانون في مشهد يعكس عمق الأزمة التي تواجهها إسرائيل. وبينما يترقب الإسرائيليون والعالم بفارغ الصبر مآلات هذه القضية، يبقى مستقبل نتنياهو معلقًا بخيوط رفيعة بين براءته أو إدانته.
وفي النهاية، قد تكون هذه المحاكمة لحظة فارقة تعيد تعريف مفهوم سيادة القانون في دولة لطالما افتخرت بمؤسساتها الديمقراطية.
تعليقات 0