غزة بعد 16 عامًا من الحصار و15 شهرًا من القصف.. أزمات إنسانية خانقة وجهود دولية متراجعة
أكثر من 16 عامًا مرّت على الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة، والذي بات يُعدّ الأطول في العصر الحديث.
خلال هذه الفترة، شهدت حياة أكثر من مليوني فلسطيني في القطاع تدهورًا كبيرًا في جميع جوانبها، مع تفاقم الأزمات الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية.
ومع استمرار غياب الحلول السياسية، يبدو أن آمال تحسين الوضع أصبحت شبه معدومة.
أوضاع إنسانية كارثية: 80% يعتمدون على المساعدات
وفي قطاع غزة المحاصر، الذي يضم أكثر من مليوني نسمة يعيشون على مساحة لا تتجاوز 365 كيلومترًا مربعًا، تتفاقم المعاناة الإنسانية مع اعتماد حوالي 80% من السكان على المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية.
أخبار تهمك
تشير تقارير صادرة عن الأمم المتحدة إلى أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في القطاع وصلت إلى مستويات غير مسبوقة من التدهور.
فقد تجاوزت معدلات الفقر نسبة 53%، في حين تعاني أكثر من 68% من الأسر من انعدام الأمن الغذائي، وهو ما يعكس أزمة إنسانية متفاقمة تلقي بظلالها على مختلف جوانب الحياة اليومية.
تروي أم أحمد، وهي أم لخمسة أطفال تعيش في أحد مخيمات اللاجئين، تفاصيل معاناتها اليومية قائلة: “نحن نعيش على المساعدات التي تصلنا من الأونروا، لكنها بالكاد تكفي لسد احتياجاتنا الأساسية. أطفالي يعانون من سوء التغذية، وإذا مرض أحدهم لا أملك المال لعلاجه”.
الاقتصاد في انهيار: البطالة تصل إلى 70% بين الشباب
منذ فرض الحصار في عام 2007، يشهد اقتصاد غزة انهيارًا شبه كامل. فقد أغلقت آلاف المصانع والشركات أبوابها بسبب القيود الإسرائيلية على الاستيراد والتصدير.
ونتيجة لذلك، وصلت معدلات البطالة إلى مستويات كارثية، حيث يعاني أكثر من 50% من السكان من البطالة، وترتفع هذه النسبة بين الشباب لتصل إلى 70%.
يقول إياد، صاحب محل تجاري في غزة: “كانت التجارة في السابق تزدهر، لكن اليوم بالكاد نستطيع توفير البضائع بسبب القيود المفروضة على المعابر. الخسائر مستمرة، ولا أمل في التعافي ما لم يُرفع الحصار”.
قطاع صحي منهك: نقص في 40% من الأدوية الأساسية
يمثل القطاع الصحي في غزة إحدى أبرز ضحايا الحصار المستمر منذ سنوات، حيث تواجه المستشفيات والمراكز الصحية تحديات غير مسبوقة نتيجة النقص الحاد في الأدوية والمستلزمات الطبية.
ووفقًا لإحصائيات وزارة الصحة الفلسطينية، فإن 40% من الأدوية الأساسية و32% من المستلزمات الطبية غير متوفرة، ما يهدد حياة آلاف المرضى، لا سيما أولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة.
ويعاني المرضى وأسرهم من رحلة شاقة للحصول على العلاج، وسط شح الموارد وضعف الإمكانيات. في هذا السياق، يقول الدكتور محمود، أحد الأطباء العاملين في مستشفى الشفاء، وهو أكبر مستشفيات القطاع: “نحن نعمل في ظروف أشبه بالمستحيلة.
الكهرباء تنقطع لساعات طويلة، وأحيانًا في أوقات حرجة أثناء العمليات الجراحية. البدائل المتاحة لتشغيل الأجهزة الطبية بالكاد تكفي، وغالبًا ما نجد أنفسنا نفقد المرضى أمام أعيننا، ليس بسبب خطورة المرض فقط، ولكن بسبب نقص الإمكانيات الضرورية”.
التحديات اليومية التي تواجهها المرافق الصحية تعكس الأثر العميق للحصار على حياة السكان، حيث لا تقتصر المعاناة على المرضى فحسب، بل تمتد لتشمل الطواقم الطبية التي تجد نفسها عاجزة عن تقديم الرعاية اللازمة في ظل هذا الوضع الكارثي.
الكهرباء والمياه: 12 ساعة من الظلام يوميًا
الأزمة لا تتوقف عند الصحة والغذاء، بل تمتد إلى أبسط أساسيات الحياة اليومية. يعاني سكان غزة من انقطاع مستمر للكهرباء يصل إلى 12 ساعة يوميًا في المتوسط. كما أن 97% من مياه الشرب غير صالحة للاستهلاك البشري، ما يزيد من تفاقم الأزمة الصحية.
جهود دولية خجولة: وعود بلا تنفيذ
على الرغم من الإدانات الدولية المتكررة للحصار الإسرائيلي، إلا أن الجهود العملية لرفع المعاناة عن سكان غزة لا تزال غائبة. وكثيرًا ما تصدر الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان بيانات تدعو لإنهاء الحصار، لكنها تصطدم بعدم وجود آليات تنفيذية لإجبار إسرائيل على الالتزام بالقوانين الدولية.
ويؤكد خالد مشعل، خبير في القانون الدولي: “الإدانات وحدها لا تكفي. المجتمع الدولي مطالب باتخاذ خطوات جادة لإنهاء الحصار، مثل فرض عقوبات على إسرائيل أو تقديم مساعدات مباشرة للفلسطينيين”.
أمل رغم اليأس: قصص من غزة
رغم كل هذا السواد، يظل سكان غزة متشبثين بالأمل. محمد، طالب جامعي يبلغ من العمر 22 عامًا، يحلم بالسفر لإكمال دراسته في الخارج، لكنه يصطدم بالقيود المفروضة على التنقل. يقول محمد: “رغم كل شيء، لن أتخلى عن حلمي. نحن شعب نؤمن بالحياة رغم الحصار”.
ختام: غزة بين الحياة والموت
قطاع غزة، الذي تحول إلى سجن مفتوح يقطنه أكثر من مليوني إنسان، يمثل واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
وبينما ينتظر سكان القطاع انفراجة قد تأتي أو لا تأتي، تظل المعاناة اليومية مستمرة، مع ضرورة أن يتحرك العالم لإنهاء هذا الحصار الذي يهدد ليس فقط حياة الفلسطينيين، بل أيضًا مبادئ العدالة والإنسانية.
تعليقات 0