أغلال الاقتصاد.. اللوبي الصهيوني يسيطر على القرار السياسي في الغرب ويحكم قبضته على مصير الشرق الأوسط
لا يقتصر تأثير اللوبي الصهيوني على صناعة القرار السياسي فقط، بل يتجاوز ذلك إلى تشكيل الرأي العام وتوجيهه بشكل يخدم المصالح الإسرائيلية.
من خلال السيطرة على وسائل الإعلام الرئيسية، لا سيما في الولايات المتحدة، يعمل اللوبي الصهيوني على تقديم رواية منحازة للأحداث الجارية، حيث يتم تصوير إسرائيل كضحية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي،
وتُشوَّه الصورة الحقيقية التي تبرز ممارساتها العدوانية في الأراضي المحتلة. وبالإضافة إلى ذلك، يعمل اللوبي على إسكات الأصوات المعارضة، ويشوه سمعة النشطاء الفلسطينيين والمدافعين عن حقوقهم، مما يخلق مناخًا من الخوف والترهيب يمنع الكثيرين من التعبير عن آرائهم بحرية.
وفي ضوء الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة والممتدة على منطقة الشرق الأوسط، خصوصًا في قطاع غزة وجنوب لبنان، تبرز التساؤلات حول تراخي المواقف الأمريكية والأوروبية في مواجهة هذه الممارسات العدائية.
السبب يعود إلى التأثير الهائل الذي يمارسه اللوبي الصهيوني على اقتصاديات هذه الدول، حيث إن انتشار الاستثمارات الإسرائيلية والشركات الناشئة، ورأس المال الاستثماري، يمنح إسرائيل نفوذًا اقتصاديًا واسعًا يمكنها من التأثير في توجهات هذه الدول السياسية.
اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشؤون العامة “أيباك” هي إحدى أبرز الأدوات التي تسعى إلى توسيع النفوذ الإسرائيلي داخل الولايات المتحدة.
إذ تعتمد “أيباك” على المال والاقتصاد لتأمين مصالحها، وهي تجيد استخدامهما لتمويل الحملات السياسية وإيصال مرشحين يدعمون سياسات موالية لإسرائيل إلى المناصب الحساسة في الحكومة.
النفوذ الاقتصادي اللوبي الصهيوني
يتجسد حجم النفوذ الاقتصادي للوبي الصهيوني من خلال العديد من الأمثلة التي توضح مدى تغلغل الاستثمارات الإسرائيلية في الاقتصادات المختلفة، خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا.
أولاً: حجم الاستثمارات
استطاعت الشركات الإسرائيلية منذ عام 2004 تحقيق اختراقات كبيرة في الأسواق العالمية، حيث تمكّنت أكثر من 40 شركة إسرائيلية من الاستثمار في مقاطعة فيرفاكس بولاية فيرجينيا الأمريكية.
وفي عام 2016، تم إدراج أكثر من 60 شركة إسرائيلية في بورصة ناسداك، مما يعكس قوة وحجم الاقتصاد الإسرائيلي المتغلغل في الولايات المتحدة. ومن الأمثلة البارزة على الشركات التي يمتلكها أو أسسها يهود، نجد شركات كبيرة مثل “فيسبوك”، “جوجل”، و”أوركل”، بالإضافة إلى شركات أخرى في مجالات الأطعمة والمشروبات.
أما في أوروبا، فالوضع لا يختلف كثيرًا. إذ توجد 912 شركة إسرائيلية تعمل داخل الاتحاد الأوروبي، وتتنوع أنشطتها بين تكنولوجيا المعلومات، حيث تحتل 38% من هذه الشركات حيزًا في هذا المجال، وكذلك في قطاع الإنترنت والاتصالات.
ثانيًا: العائلات اليهودية المؤثرة
العائلة اليهودية “روتشيلد” تُعد واحدة من أبرز العائلات الاقتصادية التي رسخت نفوذها في أوروبا منذ القرن التاسع عشر. تملك هذه العائلة استثمارات ضخمة في مجال السلاح والأدوية، بالإضافة إلى مجموعة “آر إس إيه للتأمين”، و”السكك الحديدية الشمالية”. سيطرتها على مؤسسات اقتصادية بارزة في خمس دول أوروبية، تجعلها محركًا رئيسيًا للاقتصاد في هذه الدول.
ثالثًا: التمثيل الاقتصادي الكبير
بالرغم من أن اليهود يمثلون نسبة ضئيلة من سكان الولايات المتحدة (2.4%)، إلا أن تمثيلهم في الجهات الاقتصادية الأمريكية كبير للغاية. يعمل العديد من الأفراد اليهود في المؤسسات المالية الكبرى، بما في ذلك البنوك والشركات الاستثمارية. وتعتبر رؤوس أموال اليهود في هذه البنوك مصدرًا حيويًا للاقتصاد الأمريكي، ما يجعلها قادرة على ممارسة نفوذ سياسي هائل من خلال التأثير على القرارات الاقتصادية والإدارية.
تأثيرات النفوذ الاقتصادي
تغلغل اللوبي الصهيوني في الاقتصاديات الغربية له تأثيرات مباشرة على القرارات السياسية التي تتخذها هذه الدول تجاه إسرائيل والصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
أولاً: توجيه القرارات السياسية
أدى النفوذ الاقتصادي الكبير للوبي الصهيوني إلى توجيه القرارات السياسية في الولايات المتحدة وأوروبا لصالح إسرائيل.
ففي حين تصاعدت الأعمال العدائية الإسرائيلية في غزة ولبنان، ظلت الولايات المتحدة، وبعض الدول الأوروبية، متراخية في اتخاذ مواقف حازمة لوقف هذه الاعتداءات.
على سبيل المثال، صوت مجلس النواب الأمريكي في يونيو 2024 على قرار يمنع تخصيص أي أموال لإعادة إعمار غزة، بالإضافة إلى استخدام الولايات المتحدة حق الفيتو ضد وقف إطلاق النار ثلاث مرات منذ بدء الحرب.
ثانيًا: الدعم العسكري لإسرائيل
يُعزز الدعم العسكري الأمريكي المستمر لإسرائيل من استمرارية احتلالها وانتهاكاتها. ففي سبتمبر 2024، أعلنت وزارة حرب الاحتلال الإسرائيلية عن تلقيها حزمة مساعدات عسكرية بقيمة 8.7 مليار دولار من الولايات المتحدة. كما قدمت واشنطن حوالي 6.5 مليار دولار لدعم إسرائيل منذ بداية الحرب في غزة.
ثالثًا: تأزُم وضع الشرق الأوسط
انعكس تغلغل اللوبي الصهيوني في الاقتصادات الغربية على الوضع السياسي والاقتصادي في الشرق الأوسط. فقد أسهم هذا التأثير في استمرار التوترات السياسية والحروب في المنطقة. ولم تقتصر التأثيرات على السياسة فقط، بل امتدت إلى الاقتصاد، حيث ارتفعت معدلات التضخم في العديد من دول الشرق الأوسط جراء الحرب، وتأثرت عائدات هذه الدول بشكل كبير، مما أضعف من قدراتها الاقتصادية.
ختامًا
يمثل النفوذ الاقتصادي للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة وأوروبا عاملاً رئيسيًا في صياغة السياسات الدولية تجاه الشرق الأوسط.
سيطرة هذا اللوبي على المؤسسات الاقتصادية والمالية تمكنه من توجيه القرارات السياسية بما يخدم مصالح إسرائيل على حساب حقوق الفلسطينيين.
وفي ظل هذا الوضع، يبقى الشرق الأوسط أسيرًا لقرارات دولية منحازة، تحكمها مصالح رأس المال، مما يعمق الأزمات السياسية والاقتصادية في المنطقة.
تعليقات 0