الشمال أو الجنة.. قصص صمود أهالي مخيم جباليا في وجه العدوان رغم الحصار والقصف

11 أكتوبر 2024
الشمال أو الجنة.. قصص صمود أهالي مخيم جباليا في وجه العدوان رغم الحصار والقصف

في مشهد يتحدى كل قوانين المنطق والطبيعة البشرية، يواصل سكان شمال قطاع غزة ومخيم جباليا كتابة ملحمة بطولية جديدة تحت شعار “الشمال أو الجنة”.

وأهالي هذه المنطقة المحاصرة، ورغم القصف العنيف الذي لا يتوقف والتهديدات المتزايدة بالتهجير القسري، يرفضون التخلي عن منازلهم المدمرة وأحيائهم المنكوبة، مفضلين الموت على أرضهم على النزوح جنوباً والعيش في المخيمات.

إرادة لا تُهزم
وفي ظل الهجوم الإسرائيلي المستمر، يبدي أهالي شمال القطاع إصراراً على عدم مغادرة أرضهم، معتبرين أن التهجير جنوباً ليس إلا طريقاً إلى المجهول.

ويقول أحد سكان المخيمات: “يا احنا يا الجيش”، في تأكيد على التمسك بالبقاء في أرض الشمال، رغم التهديدات التي باتت تحيط بهم من كل اتجاه.

الشمال أو الجنة.. قصص صمود أهالي مخيم جباليا في وجه العدوان رغم الحصار والقصف

ويصف الأهالي القنابل التي تُسقطها طائرات الاحتلال بأنها نوع من “حقل تجارب انتقامي”، حيث يستخدم جيش الاحتلال الإسرائيلي أسلحة يعتقد سكان مخيم جباليا أنها تُجرب لأول مرة بهذا الكم والوحشية. ومع كل ذلك، يتمسك السكان بموقفهم، مؤكدين أن “ترك الأرض والنزوح جنوباً يشبه موتاً محققاً”.

ألاء، إحدى الناجيات من القصف، تروي قصتها المؤثرة لوكالة “صفا”، مشيرة إلى حجم الألم والخذلان الذي تعانيه بسبب الأوضاع الصعبة. تقول ألاء: “عندي الموت أهون من أن أترك الشمال وأنزح إلى الجنوب. أين أذهب هناك؟ نرى القصف الذي يطول النازحين هناك وقلوبنا تعتصر ألمًا عليهم. ليتهم لم ينزحوا وبقوا معنا”.

الشمال أو الجنة.. قصص صمود أهالي مخيم جباليا في وجه العدوان رغم الحصار والقصف
مخيم جباليا

قصة صمود
تتابع ألاء حديثها قائلة: “فقدت منزلي خلال هذه الحرب، واستشهد ما لا يقل عن 50 شخصًا من أفراد عائلتي.

وأنا الآن مشردة من مركز نزوح إلى آخر، لكنني أقول بإيمان قوي: نحن هنا مثل زيتونة عمرها آلاف السنين، وسنبقى صامدين مثلها”. وتشير إلى أنها رغم كل التهديدات والحصار، لا ترى في خطة التهجير التي نشرها جيش الاحتلال خياراً بالنسبة لها أو لأهل الشمال.

وتضيف ألاء: “سمعت من صديقاتي بمراكز النزوح في الشمال أن الاحتلال ينوي إفراغ المنطقة من ساكنيها إما بالتهجير أو التصفية. لكننا صبرنا لأشهر طويلة وصعبة حتى أكملنا العام. جُعنا وعطشنا وأكلنا الذرة والشعير، انقطعت فينا كل سبل الحياة، لكننا صمدنا ولم ننزح”.

“الشمال أو الجنة”
ليس ألاء وحدها من ترفض مغادرة الشمال، فقد انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي حملة تضامن واسعة مع سكان المنطقة تحت وسم “#الشمال_أو_الجنة”.

هذه العبارة بدأت كمحادثة مؤثرة بين أب وابنته، حيث سألها والدها: “الشمال أو الجنة؟” فأجابته “الجنة”. سرعان ما تحولت هذه الجملة إلى رمز للتحدي والصمود، وتناقلها نشطاء وصحفيون كتعبير عن العزم على البقاء في الشمال رغم كل الصعوبات.

الصحفي يوسف فارس علق على تلك المحادثة قائلاً: “هذه محادثة بين فتاة ووالدها، وهي تجسد روح التحدي التي يتمسك بها أهالي الشمال”. أما خالد أبو صالح فقد كتب على صفحته في “فيسبوك”: “ما يحدث في شمال غزة يفوق الخيال… إبادة لكل شيء يتحرك، حصار خانق، ومع ذلك الناس يقولون: لن نترك الشمال”.

فيما قال محمد أبو وردة في تعليقه: “إن كان لا بد من النزوح.. فنحن نفضّل النزوح إلى السماء”. وقد رددت هالة البستنجي على الحملة قائلة: “أعينكم وقلوبكم ودعواتكم لأهل شمال القطاع… إخوانكم في كرب عظيم، يصبحون ويمسون على ما هم فيه”.

الشمال أو الجنة.. قصص صمود أهالي مخيم جباليا في وجه العدوان رغم الحصار والقصف
حصار وقصف مستمر
الحصار المفروض على شمال القطاع يدخل أسبوعه السابع، في ظل هجوم إسرائيلي مكثف يستهدف مناطق بيت حانون وبيت لاهيا ومخيم جباليا، حيث يمنع الاحتلال دخول أي إمدادات من مياه أو طعام أو دواء. تزداد خطورة الوضع يوماً بعد يوم، مع تواصل القصف العنيف على المشافي والمراكز الحيوية، وتزايد التهديدات بإخلاء المنطقة بشكل كامل.

منذ 7 أكتوبر 2023، تشن إسرائيل حرباً مدمرة على قطاع غزة، بدعم أمريكي، أسفرت حتى الآن عن استشهاد وإصابة نحو 139 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال. بالإضافة إلى ذلك، تم الإبلاغ عن فقدان أكثر من 10 آلاف شخص. ورغم الأعداد المتزايدة من الضحايا، يستمر العدوان في ظل تجاهل إسرائيلي لقرارات مجلس الأمن الدولي بوقف الحرب فوراً، وكذلك أوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني في غزة.

في هذه الأجواء المأساوية، يواصل أهالي شمال غزة كتابة تاريخ جديد من الصمود، ويؤكدون للعالم أن “الشمال أو الجنة” ليس مجرد شعار، بل هو تجسيد حقيقي لإرادة لا تقهر.