القارة السمراء تفتح أبوابها لأحفاد العثماني.. قمة جيبوتي تحتضن شراكة اقتصادية وأمنية بين تركيا وأفريقيا
مع اقتراب انطلاق فعاليات الاجتماع الوزاري الثالث بين تركيا والاتحاد الإفريقي في جيبوتي مطلع نوفمبر، تبدو القارة السمراء على موعد جديد مع الشراكة التركية التي تعيد رسم معالم التوازنات في المنطقة.
وبوجود 14 وزير خارجية إفريقي تحت مظلة التعاون التركي، تسعى أنقرة لترسيخ علاقاتها مع إفريقيا وسط تنافس دولي محتدم يشمل قوى كبرى مثل فرنسا وروسيا والصين، ما يسلط الضوء على استراتيجية أنقرة لفتح آفاق تعاون جديدة في مجالات الأمن، والبنية التحتية، والطاقة، وتطوير الاقتصاد في القارة التي تتزايد أهميتها على المسرح الدولي.
تشهد العاصمة الجيبوتية بدءًا من الثاني من نوفمبر المقبل تجمعًا دبلوماسيًا يعكس طموح تركيا لتعزيز نفوذها في القارة السمراء، حيث يستضيف الاجتماع الوزاري الثالث بين تركيا ودول الاتحاد الإفريقي بمشاركة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان ووزراء خارجية 14 دولة إفريقية.
يأتي هذا الحدث استكمالاً لسلسلة اجتماعات قمة الشراكة التركية-الإفريقية التي بدأت منذ أكثر من عقد، كاشفةً عن رغبة تركيا في أن تكون شريكًا استراتيجيًا لدول إفريقيا، ليس فقط على مستوى الاقتصاد، ولكن في مجالات الأمن والدفاع والبنية التحتية والطاقة.
طموح تركيا في إفريقيا: شراكة تعززها قمة جديدة
تمثل القمة الوزارية المرتقبة في جيبوتي خطوة أخرى في مسيرة الشراكة المتنامية بين تركيا والدول الإفريقية، والتي انطلقت رسميًا منذ قمة الشراكة التركية-الإفريقية الأولى في إسطنبول عام 2008. ومنذ ذلك الحين، شهدت العلاقات بين الجانبين طفرة ملحوظة، إذ حقق التبادل التجاري بين تركيا ودول إفريقيا زيادة ضخمة تجاوزت ثمانية أضعاف، كما ارتفعت قيمة مشروعات المقاولات التركية في القارة إلى نحو 85 مليار دولار، وشملت الاستثمارات التركية مجالات التعدين والطاقة والتكنولوجيا، مما يعزز دور أنقرة كشريك اقتصادي هام لدول إفريقيا.
لكن الطموحات التركية لا تتوقف عند الأطر الاقتصادية فحسب؛ إذ أصبحت تركيا أحد اللاعبين الدوليين الرئيسيين في توفير الدعم الأمني والدفاعي لدول القارة، بدءًا من توقيع اتفاقيات التعاون العسكري مع جيبوتي والصومال، وصولاً إلى تصدير الطائرات المسيرة لدول مثل الصومال وإثيوبيا. يسعى الأتراك إلى تثبيت حضورهم في مجالات لا تزال تشهد تنافسًا قويًا مع القوى التقليدية، مثل فرنسا، ومع قوى صاعدة مثل روسيا والصين، في إطار ما يشبه سباقًا دوليًا نحو النفوذ في القارة السمراء.
أهداف الاجتماع الوزاري الثالث في جيبوتي: خطوات ملموسة نحو تعاون أعمق
تهدف القمة الوزارية القادمة إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية تسهم في تعميق الشراكة بين تركيا ودول إفريقيا على أصعدة متعددة. ومن المتوقع أن يتم خلالها مراجعة التقدم الذي أُحرز في تنفيذ خطة العمل للفترة 2022-2026، والتي تم إقرارها في القمة التركية الإفريقية الثالثة عام 2021، حيث يتطلع الجانبان إلى تقييم نتائج هذه الخطة ومدى تفاعلها مع تطلعات وأولويات دول القارة.
كذلك، يبرز هذا الاجتماع كتحضير عملي للقمة التركية الإفريقية الرابعة المقرر عقدها في عام 2026، حيث سيسعى الوزراء المشاركون إلى وضع أهداف وخطط جديدة تتناسب مع التحديات الراهنة، خاصة فيما يتعلق بمجالات الأمن والطاقة والاستثمارات التنموية.
ومن المأمول أن يثمر هذا التحضير المبكر عن خطوات فعلية يمكن البناء عليها في المستقبل لتحقيق نتائج ملموسة تخدم الطرفين، وتدعم دور تركيا كقوة صديقة وموثوقة.
مناقشة القضايا الإقليمية والدولية: تعاون استراتيجي لتجاوز الأزمات المشتركة
يتضمن جدول أعمال الاجتماع الوزاري المنتظر مناقشة القضايا الإقليمية والدولية التي تؤثر على القارة الإفريقية وتركيا.
فأنقرة، التي تلعب دورًا دبلوماسيًا محوريًا في العديد من القضايا الإقليمية، مثل الوساطة في النزاع الحدودي بين إثيوبيا والصومال، تسعى إلى الاستفادة من الاجتماع لتعزيز صورة تركيا كقوة داعمة للسلام والاستقرار في المنطقة.
وقد نظمت تركيا في الأشهر القليلة الماضية عدة جولات من المفاوضات بين الصومال وإثيوبيا، في محاولة لرأب الصدع بين الطرفين، على خلفية توقيع إثيوبيا اتفاقية مع أرض الصومال لإيجاد منفذ بحري في البحر الأحمر.
وقد يشهد الاجتماع تطرقًا لقضايا أخرى تهم القارة الإفريقية كالأزمات الإنسانية والأمن الغذائي، حيث تسعى تركيا إلى توسيع نطاق تعاونها ليشمل تقديم دعم إنساني وتنموي، مثل مشاريع المياه والطاقة المتجددة، وتقديم استشارات فنية لتعزيز البنية التحتية في المناطق الأكثر تضررًا.
وتأتي هذه الجهود كجزء من استراتيجية أنقرة لتعزيز ثقلها في القارة، مستفيدة من الفراغ الذي تتركه بعض القوى التقليدية.
التحديات الحاضرة: منافسة دولية واستقرار مضطرب
رغم الإنجازات التي تحققت، تواجه تركيا تحديات صعبة في مسيرتها نحو تعزيز نفوذها في إفريقيا، أبرزها التنافس مع القوى الدولية، وخصوصًا فرنسا وروسيا والصين، الذين يمتلكون مصالح استراتيجية واسعة في القارة.
كما أن عدم الاستقرار السياسي والأمني في بعض الدول الإفريقية يمثل عقبة أمام تحقيق الشراكة الشاملة بين الطرفين، ما قد يعرقل تنفيذ بعض مشروعات التعاون.
لكن تركيا تدرك أن توفير حلول لهذه التحديات سيعزز من ثقتها كشريك موثوق. لذلك، يسعى صناع القرار الأتراك إلى تبني مبدأ “المنفعة المتبادلة”، مع التركيز على تقديم خدمات دفاعية ودبلوماسية بعيدًا عن التدخل المباشر، مما يجعل الشراكة أكثر قبولًا واستدامة في إفريقيا.
في الختام: أمل في شراكة تركية-إفريقية قوية تلبي تطلعات المستقبل
يُمثل الاجتماع الوزاري الثالث التركي-الإفريقي في جيبوتي اختبارًا حقيقيًا لإرادة الطرفين في بناء شراكة استراتيجية تتجاوز العقبات السياسية والاقتصادية. وفي ظل التحديات الراهنة، يعكس الاجتماع رغبة قوية نحو بناء مستقبل مشترك يلبي تطلعات شعوب القارة السمراء في التنمية والاستقرار، فيما يوفر لتركيا قاعدة استراتيجية جديدة لتعزيز علاقاتها الدولية.
هذه القمة الوزارية تعزز الأمل في أن يشكل هذا التعاون نموذجًا فريدًا للشراكة الإقليمية، متجاوزًا الاعتبارات الضيقة ليخدم مصالح الطرفين ويواكب التغيرات الجيوسياسية على الساحة الدولية.
تعليقات 0