القلق يغزو وزارة الدفاع الأمريكية بعد عودة ترامب للحكم.. البنتاجون يحذر من تطبيق قانون التمرد
في ظل أجواء مشحونة بالترقب والقلق، بدأت وزارة الدفاع الأمريكية، أو ما يُعرف بـ”البنتاجون“، في مناقشات غير رسمية ومكثفة حول كيفية التعامل مع احتمالية عودة الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وما قد يستتبعه ذلك من أوامر بنشر الجيش في المدن الأمريكية لمواجهة ما يصفه بالتهديدات الداخلية.
وتأتي هذه المناقشات في سياق تزايد تصريحات ترامب النارية، والتي لم يتردد فيها عن إعلان نيته اتخاذ إجراءات غير مسبوقة من شأنها إثارة توتر كبير داخل الولايات المتحدة.
تاريخ معقد من العلاقات بين ترامب والجيش
في ولايته السابقة لم تكن العلاقة بين ترامب والجيش سلسة، فقد أبدى القادة العسكريون حذراً بالغاً في التعامل مع أوامره، خاصة بعد أحداث صيف عام 2020 عندما طالب بنشر القوات في واشنطن للتصدي للاحتجاجات التي اندلعت على خلفية مقتل جورج فلويد.
حينذاك، أثار تدخل الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة السابق، جدلاً واسعاً بعد أن أبدى مخاوفه بشأن الخطوات التي يمكن أن يتخذها ترامب، ووصل الأمر إلى حد اتخاذ تدابير احترازية لضمان عدم استخدام الرئيس للقوة النووية بشكل غير مسؤول.
مخاوف متجددة وتصريحات مثيرة
تزايدت هذه المخاوف مع تصريحات ترامب الأخيرة التي أطلقها عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي. فقد صرّح ترامب صراحةً بنيته استخدام الجيش لمواجهة ما أسماه “اليساريين المتطرفين”، وكرر التهديد باستخدام سلطات غير تقليدية لتنفيذ خططه.
هذه التصريحات أثارت قلقاً كبيراً بين المسؤولين في وزارة الدفاع، الذين بدأوا بالفعل التفكير في كيفية التعامل مع أوامر محتملة قد تصدر عنه في حال عودته للرئاسة.
أحد المسؤولين في البنتاجون تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته قائلاً: “نحن ندرس سيناريوهات متعددة. لا يمكن أن نغض الطرف عن إمكانية أن يأمر ترامب باستخدام قواتنا في الشوارع”. وأضاف أن “التحدي يكمن في كيفية المحافظة على احترام الدستور والتوازن بين السلطة التنفيذية والعسكرية”.
دور وزير الدفاع وطمأنة الكونجرس
وزير الدفاع الحالي، لويد أوستن، حاول طمأنة الجميع بأن الجيش الأمريكي سيظل مخلصاً للدستور وملتزماً بالواجبات الموكلة إليه بشكل لا يقبل الشك.
وأكد أوستن أن الكونجرس سيظل داعماً لمهمة الجيش في حماية الأمة دون المساس بمبادئ الديمقراطية.
ومع ذلك، لا تزال المخاوف قائمة بشأن ما إذا كانت هذه الالتزامات كافية في مواجهة الأوامر غير التقليدية التي قد تُطلب من الجيش في المستقبل.
سيناريوهات محتملة وردود الفعل المتوقعة
السيناريوهات المطروحة داخل البنتاجون تتراوح بين تنفيذ الأوامر بشكل مشروط وبين رفضها بشكل قاطع، وهو ما قد يخلق أزمة دستورية غير مسبوقة.
أحد السيناريوهات المحتملة هو حدوث موجة استقالات جماعية في حال صدور أوامر تعتبر غير قانونية، وهو ما سيضع الجيش في مواجهة مباشرة مع مؤسسة الرئاسة. لكن السؤال الذي يثير القلق الأكبر هو: هل ستكون هناك وحدة في صفوف الجيش، أم أن الانقسامات ستطغى؟
يقول أحد المحللين العسكريين: “نحن أمام مفترق طرق. يمكن أن نرى قادة عسكريين يختارون الاستقالة بدلاً من تنفيذ أوامر غير دستورية، لكن ذلك قد يُحدث فراغاً قيادياً في لحظة حرجة”.
استخدام قانون التمرد: سلاح ذو حدين
قانون التمرد الذي يعود تاريخه إلى عام 1807 يمنح الرئيس صلاحيات واسعة تسمح له بنشر القوات الفيدرالية لمواجهة التمردات أو لحماية المصالح الحكومية.
استخدم هذا القانون في الماضي بشكل محدود، لكن مخاوف استخدامه من قبل ترامب لإرسال القوات إلى الشوارع الأمريكية تثير حفيظة القادة العسكريين.
وفي هذا السياق، يشير أحد الخبراء القانونيين إلى أن “البنتاجون ليس مجهزاً جيداً لرفض أوامر الرئيس بشكل مباشر، لكن هناك خطوطاً حمراء لا يمكن تجاوزها”.
نظرة إلى المستقبل: هل تتكرر الأزمات؟
التاريخ العسكري الأمريكي مليء بأحداث مشابهة شهدت توترات بين القادة العسكريين والرئاسة، لكن السياق الحالي يبدو أكثر تعقيداً في ظل الاستقطاب السياسي الحاد.
عودة ترامب المحتملة للبيت الأبيض، مصحوبة بخطابه الذي يصف بـ”الحازم”، قد تضع الولايات المتحدة في موقف لا تحسد عليه.
مع استمرار هذه المناقشات غير الرسمية داخل البنتاجون، يبقى السؤال الأكبر: هل ستشهد الولايات المتحدة تحدياً جديداً في علاقتها بين السلطة العسكرية والمدنية؟ أم ستنجح مؤسسات الدولة في الحفاظ على توازن دقيق يحميها من أي اضطراب داخلي محتمل؟ الإجابة على هذه الأسئلة قد تحدد مسار الديمقراطية الأمريكية في السنوات القادمة، وسط مخاوف مشروعة من العودة إلى فترة من التوترات السياسية غير المسبوقة.
تعليقات 0