4 فبراير 2025 10:37
سيناء الإخبارية
سيناء الإخبارية

بين مطرقة الموت وسندان الحصار.. شهادات أطباء غزة من قلب معركة إنقاذ حياة أهالي القطاع

في قلب الجحيم، حيث لا يعرف الموت هدنة، ولا القصف استراحة ، يقف أطباء غزة في معركة يائسة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

يعملون تحت القصف، في مشافٍ شبه مدمرة، بأدوات طبية مستهلكة، وأدوية تكاد تنفد، وأعداد هائلة من الجرحى تتدفق بلا توقف. ليس هناك رفاهية الاختيار، فالخيار الوحيد هو العمل بكل ما أوتوا من قوة لإنقاذ الأرواح، ولو بأبسط الإمكانيات.

أطباء غزة.. بين فقدان الزملاء والمهمة المستحيلة
في مستشفى الشفاء، الذي تحول إلى مركز طبي متكامل رغم استهدافه أكثر من مرة، يقف الأطباء والممرضون عاجزين أمام طوابير المصابين، كل واحد منهم يطلب النجدة، والجميع بحاجة إلى رعاية عاجلة.

بين مطرقة الموت وسندان الحصار.. شهادات أطباء غزة من قلب معركة إنقاذ حياة أهالي القطاع - 5 - سيناء الإخبارية

أخبار تهمك

السياسات التصادمية للرئيس الأمريكي في ولايته الثانية.. ترامب يتجاهل المعارضة ويفجر الخلافات الدولية - 1 - سيناء الإخبارية

السياسات التصادمية للرئيس الأمريكي في ولايته الثانية.. ترامب يتجاهل المعارضة ويفجر الخلافات الدولية

لأول مرة منذ 5 آلاف عام..عودة الضبع المرقط إلى مصر على بعد 30 كيلومترًا شمال الحدود السودانية - 3 - سيناء الإخبارية

لأول مرة منذ 5 آلاف عام..عودة الضبع المرقط إلى مصر على بعد 30 كيلومترًا شمال الحدود السودانية

الدكتور محمود السقا، أحد الأطباء العاملين في المستشفى، يصف الوضع قائلاً:
“لسنا مجرد أطباء هنا، نحن رجال إسعاف، ومساعدون، وحتى أقارب لمن فقدوا أحباءهم. ننام لدقائق قليلة على الأرض، ثم نعود للعمليات التي لا تتوقف. لم أشهد طوال حياتي الطبية مثل هذه الكارثة الإنسانية. الأعداد لا يمكن استيعابها، والموارد شبه معدومة، والكهرباء تنقطع لأكثر من 20 ساعة يوميًا، فيما تعمل بعض الأجهزة على مولدات مهددة بالتوقف في أي لحظة.”

الأمر لا يقتصر على الضغط النفسي الهائل فحسب، بل يشمل أيضًا المخاطر التي تواجه الطواقم الطبية أثناء أدائهم لعملهم. الكثير من الأطباء فقدوا حياتهم، إما نتيجة قصف استهدف المستشفيات بشكل مباشر، أو أثناء محاولتهم الوصول إلى الجرحى تحت القصف.

بين مطرقة الموت وسندان الحصار.. شهادات أطباء غزة من قلب معركة إنقاذ حياة أهالي القطاع - 7 - سيناء الإخبارية

الدكتور يوسف الحلاق، طبيب جراحة الأعصاب في مجمع ناصر الطبي، كان من بين الذين فقدوا أرواحهم أثناء محاولته إنقاذ أحد الأطفال المصابين، حيث أصيب المستشفى الذي يعمل فيه بقذيفة إسرائيلية أودت بحياته وحياة العديد من زملائه.

مستشفيات تحت القصف.. غرف العمليات تتحول إلى ميادين حرب
لم يعد مستشفى الشفاء، أكبر مستشفيات غزة، مجرد مرفق طبي، بل تحول إلى مأوى للآلاف الذين فقدوا منازلهم، ما زاد الضغط على الطاقم الطبي. الممرات مليئة بالجرحى، وأسرة المستشفى لم تعد كافية، فبات المصابون يتلقون العلاج على الأرض.

أما في مستشفى الإندونيسي، الذي تعرض لقصف مباشر، فقد تحولت غرف العمليات إلى مشاهد مأساوية. الدكتور عدنان الخطيب، جراح عظام يعمل هناك، يروي المأساة: “اضطررنا إلى إجراء عمليات بتر بدون تخدير كامل، لأننا ببساطة لا نملك ما يكفي من المخدر. شاهدت طفلاً يبكي من الألم بينما كنت أضطر لبتر قدمه، كان يبكي ويقول: ’لا تفعلوا هذا، أريد أن أعود للعب مع أصدقائي.‘ كيف لنا أن نتحمل هذا؟”

بين مطرقة الموت وسندان الحصار.. شهادات أطباء غزة من قلب معركة إنقاذ حياة أهالي القطاع - 9 - سيناء الإخبارية

إسرائيل تحاصر المساعدات الطبية وتمنع دخول الإمدادات
رغم المناشدات الدولية، تفرض إسرائيل حصارًا خانقًا على دخول الأدوية والمستلزمات الطبية، ما يفاقم الأزمة الصحية في غزة. منظمة الصحة العالمية أكدت أن أكثر من 70% من الإمدادات الطبية التي حاولت دخول القطاع خلال الأشهر الماضية تم منعها أو تأخيرها من قبل الاحتلال، دون أي مبرر سوى فرض عقوبات جماعية على المدنيين.

الدكتور يحيى عياش، أحد الأطباء العائدين من مهمة إغاثية في غزة، يوضح ذلك بقوله: “في كل المستشفيات التي عملت فيها حول العالم، لم أشهد مثل هذا النقص الحاد في المستلزمات الطبية. في غزة، الأطباء يضطرون لإعادة استخدام أدوات الجراحة لعدم توفر غيرها، ويتم تطهير الشاش الطبي وإعادة استخدامه لأنه لم يعد هناك مخزون كافٍ. إسرائيل تستخدم الحصار كأداة لقتل المرضى ببطء.”

بين مطرقة الموت وسندان الحصار.. شهادات أطباء غزة من قلب معركة إنقاذ حياة أهالي القطاع - 11 - سيناء الإخبارية

أزمة الكهرباء والمياه.. عندما يصبح العمل مستحيلًا
لا تقتصر الأزمة على نقص الأدوية والمعدات الطبية، بل تمتد لتشمل أزمة الكهرباء والمياه. معظم المستشفيات في غزة تعمل على مولدات كهربائية قديمة مهددة بالتوقف في أي لحظة بسبب نقص الوقود.

يقول الدكتور سامي القدوة، المسؤول عن قسم الطوارئ في مستشفى غزة الأوروبي:
“عندما تنقطع الكهرباء أثناء العمليات الجراحية، نضطر لاستخدام ضوء الهواتف المحمولة لاستكمال العملية. تخيل أنك تجري عملية قلب مفتوح في ظلام دامس! إنه شيء لا يمكن تصوره، لكنه واقعنا اليومي في غزة.”

بين مطرقة الموت وسندان الحصار.. شهادات أطباء غزة من قلب معركة إنقاذ حياة أهالي القطاع - 13 - سيناء الإخبارية

أما أزمة المياه، فهي كارثة أخرى، حيث أن معظم المستشفيات تعاني من شح المياه النظيفة، ما يزيد من خطر العدوى والتلوث، خاصة في ظل تكدس الجرحى والمصابين في أماكن غير مجهزة طبيًا.

قرارات قاتلة.. من يحصل على العلاج ومن يُترك للموت؟
مع تزايد عدد الإصابات ونقص المعدات الطبية، يجد الأطباء أنفسهم أمام قرارات صعبة، حيث يضطرون لاختيار من يحصل على الرعاية ومن يُترك.

يقول الدكتور محمد شعث، أحد أطباء العناية المركزة: “في بعض الحالات، نضطر إلى إعطاء الأولوية لمن لديه فرصة أكبر للبقاء على قيد الحياة، بينما نترك المصابين بإصابات خطيرة دون علاج. إنه قرار كابوسي، لكن لا يوجد خيار آخر. هذه ليست ممارسة طبية، بل حرب نفسية نعيشها كل لحظة.”

بين مطرقة الموت وسندان الحصار.. شهادات أطباء غزة من قلب معركة إنقاذ حياة أهالي القطاع - 15 - سيناء الإخبارية

رغم الحصار والقصف.. أطباء غزة يواصلون المعركة
ورغم كل ما يواجهونه من صعوبات، يواصل أطباء غزة العمل بلا كلل، مدفوعين بإحساسهم بالواجب الإنساني تجاه أبناء وطنهم. هم ليسوا مجرد أطباء، بل أبطال يخوضون معركة يومية ضد الموت، بلا أسلحة سوى إرادتهم، وبلا دعم سوى صمودهم.

في وجه كل التحديات، يصرّ هؤلاء الأطباء على الصمود، رغم معرفتهم أن كل يوم يمر قد يكون آخر أيامهم. في مستشفيات غزة، حيث تختلط رائحة الدماء برائحة الخبز الموزع على العائلات النازحة، وحيث تتحول الأروقة إلى أماكن للنوم والانتظار، هناك معركة تدور رحاها كل لحظة، معركة من أجل الحياة في مدينة تحاصرها آلة الحرب، لكنها ترفض أن تستسلم.