تصاعد التوتر في الساحل السوري..اشتباكات دامية وخسائر فادحة ومقتل المئات

شهدت مناطق الساحل السوري، ذات الأغلبية العلوية، يومي الخميس والجمعة الماضيين تصعيدًا خطيرًا في أعمال العنف، أسفر عن مقتل أكثر من 340 شخصًا، بينهم نساء وأطفال، وفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان.
اشتباكات
اندلعت اشتباكات عنيفة يوم الخميس الماضي بين قوات الأمن التابعة للإدارة الجديدة في سوريا ومجموعات مسلحة يُعتقد أنها موالية للنظام السابق، وذلك في محافظة اللاذقية، التي تُعد المعقل الرئيسي للأقلية العلوية التي ينتمي إليها الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد.
ويأتي هذا التصعيد في ظل توتر طائفي متزايد، ما يثير مخاوف من أن تؤدي هذه المواجهات إلى اندلاع صراع أوسع بين الطوائف المختلفة في سوريا.
أخبار تهمك
العلويون طائفة دينية تعيش بشكل رئيسي في سوريا ولبنان وتركيا، ويُعتبرون فرعًا من الإسلام الشيعي، إلا أنهم يتميزون بعقائد خاصة تختلف عن بقية الطوائف الإسلامية. لعب العلويون دورًا محوريًا في تاريخ سوريا الحديث، خاصة خلال حكم عائلة الأسد، حيث شغل العديد منهم مناصب قيادية في الدولة والجيش.
تصاعد العنف في المناطق العلوية
تشهد مناطق جبلة وبانياس والمناطق المحيطة بهما عمليات قتل واسعة، استهدفت بشكل خاص المناطق ذات الأغلبية العلوية. وامتلأت منصات التواصل الاجتماعي، لا سيما فيسبوك، بمنشورات نعي وصور لضحايا من المنطقة الساحلية، حيث عبّر الأهالي عن حزنهم لفقدان أحبائهم في الأحداث الأخيرة.
في المقابل، شنت السلطات الحاكمة الجديدة حملة أمنية واسعة وصفتها بأنها تستهدف “بؤر التمرد” الموالية للنظام السابق. جاءت هذه الحملة بعد مقتل العشرات من أفراد قوات الأمن في اشتباكات عنيفة خلال الساعات الـ48 الماضية. وأقر مسؤولون سوريون بحدوث “تجاوزات” خلال العمليات الأمنية، مُلقين باللوم على “حشود غير منظمة” من المدنيين والمسلحين الذين انخرطوا في القتال، سواء دعمًا لقوات الأمن أو استغلالًا لحالة الفوضى لتنفيذ عمليات انتقامية.
حضور سياسي وتأثير تاريخي
يتركز العلويون بشكل أساسي في محافظتي اللاذقية وطرطوس، إضافة إلى مناطق في حمص وحماة وريف دمشق. ويُنظر إلى الساحل السوري باعتباره المعقل الرئيسي لعائلة الأسد، التي حكمت البلاد لأكثر من خمسة عقود. يبلغ عدد العلويين في سوريا نحو 1.7 مليون نسمة، ما يشكل نحو 9% من إجمالي السكان في بلد ذي غالبية سنية.
على مدار العقود الماضية، كان للعلويين نفوذ بارز داخل النظام الحاكم، حيث شغلوا مناصب رئيسية في مؤسسات الدولة والأجهزة الأمنية، التي استخدمت الاعتقال والتعذيب كوسائل لقمع المعارضة. ومع ذلك، فإن الطائفة ليست كيانًا موحدًا سياسيًا، إذ يوجد داخلها تنوع في الآراء والانتماءات.
الجذور الدينية والتاريخية للعلويين
يرجع تأسيس المذهب العلوي إلى محمد بن نصير في القرن التاسع الميلادي، والذي يُقال إنه كان أحد تلاميذ الإمام الحسن العسكري، الإمام الحادي عشر لدى الشيعة الاثني عشرية. ولهذا السبب، أُطلق على العلويين قديمًا اسم “النصيريين”، وهو مصطلح لا يزال يُستخدم أحيانًا، لكنه يحمل دلالات تاريخية قديمة.
تعتمد العقيدة العلوية على عدة مبادئ، أبرزها التوحيد، العدل، النبوة، الإمامة، والمعاد. كما يؤمن العلويون بتناسخ الأرواح، ويقدسون ثلاث شخصيات رئيسية: النبي محمد، الإمام علي بن أبي طالب، والصحابي سلمان الفارسي، الذين يُمثلون ثالوثًا روحانيًا مقدسًا لديهم.
الساحل السوري
على عكس التيارات الإسلامية التقليدية، لا يمتلك العلويون مساجد بالمعنى المعروف، كما أنهم لا يلتزمون بالصيام أو الحج وفقًا للشريعة الإسلامية المتعارف عليها. كذلك، لا يُفرض على النساء ارتداء الحجاب، ويُسمح بشرب الكحول. ومن الملاحظ أن العلويين يحتفلون بأعياد المسلمين والمسيحيين معًا، في انعكاس لطبيعة معتقداتهم الفريدة.
العلويون والسلطة في سوريا
في ظل الانتداب الفرنسي، تم إنشاء منطقة حكم ذاتي للعلويين عام 1920، لكنها لم تستمر طويلًا. لاحقًا، شهدت العقود التالية انخراط عدد كبير من العلويين في الجيش السوري، خاصة في الخمسينيات، حيث تبنوا أفكار القومية العربية وعلمانية حزب البعث.
شهدت سوريا انقلابين عسكريين في عامي 1963 و1966، مما مهد الطريق لصعود الضباط العلويين إلى السلطة، إلى أن استولى حافظ الأسد على الحكم عام 1970، ليؤسس نظامًا استمر لعقود قبل أن يرثه ابنه بشار الأسد.
مستقبل غامض
مع استمرار الاشتباكات في الساحل السوري، تظل التساؤلات مطروحة حول مستقبل العلويين في سوريا، وما إذا كانت هذه الأحداث تنذر بتغيرات جذرية في المشهد السياسي والاجتماعي. وبينما يحذر البعض من خطر انزلاق البلاد إلى صراع طائفي أكثر تعقيدًا، يرى آخرون أن هناك إمكانية لتخفيف التوتر عبر حلول سياسية جادة تعالج جذور الأزمة، وتساهم في تحقيق استقرار مستدام في سوريا.
تعليقات 0