تغير المناخ يهدد الحياة في القارة السمراء.. وفاة 4700 أفريقي و118 مليون آخرين يواجهون الموت جوعًا
وراء الأرقام والإحصائيات الباردة حول القارة السمراء، تبرز قصص إنسانية مؤثرة تُظهر الأثر العميق للتغير المناخي على حياة الناس العاديين في إفريقيا.
ومن لاجئين هُجِّروا قسرًا بسبب الكوارث الطبيعية إلى مزارعين فقدوا أراضيهم وأطفال يعانون من سوء التغذية، يسلط هذا التقرير الضوء على التحديات التي يواجهها ملايين البشر بفعل التغير المناخي، وتبحث في جهود قارة أفريقيا للتصدي لهذه الأزمة المستفحلة.
إفريقيا: التحدي المناخي الأكبر
تعتبر إفريقيا واحدة من أكثر القارات تأثرًا بالتغير المناخي، رغم أنها تسهم بنسبة ضئيلة في انبعاثات غازات الدفيئة عالميًا.
ومع ذلك، تعاني القارة من أعباء متزايدة جراء ظواهر مناخية متطرفة تشمل الجفاف والفيضانات وارتفاع مستوى سطح البحر، مما يؤدي إلى تهديد الأمن الغذائي والمائي وزيادة معدلات الهجرة والنزوح.
وفقًا لتقرير صادر عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في عام 2024، تفقد الدول الإفريقية ما بين 2-5% من ناتجها المحلي الإجمالي سنويًا بسبب التغير المناخي. وتُقدر تكلفة التكيف مع آثاره في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بما يتراوح بين 30 و50 مليار دولار سنويًا خلال العقد المقبل.
قصص من الميدان: الخسائر البشرية والمادية
تتجسد معاناة إفريقيا من خلال الأرقام المفزعة. ففي عام 2023، تضرر نحو 300 ألف شخص من الفيضانات التي اجتاحت 10 دول إفريقية، وكانت النيجر وغانا ونيجيريا من أكثر الدول تضررًا. وفي ليبيا، أودت العاصفة دانيال بحياة 4700 شخص، ولا يزال 8000 في عداد المفقودين.
كما شهدت كينيا وإثيوبيا والصومال فيضانات شديدة تسببت في وفاة 350 شخصًا ونزوح 2.4 مليون آخرين. أما في مالاوي وموزمبيق، فقد أودت الفيضانات الناتجة عن الإعصار المداري “فريدي” بحياة 844 شخصًا، ما يبرز العواقب الوخيمة لهذه الكوارث على المجتمعات المحلية.
التغير المناخي والأمن الغذائي
تتفاقم أزمة الأمن الغذائي في إفريقيا بسبب التغير المناخي، حيث يؤثر ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض معدلات الأمطار على الإنتاج الزراعي في القارة.
ويقدر الخبراء أن زيادة قدرها 0.4 درجة مئوية في درجات الحرارة قد تؤدي إلى تقليص مواسم زراعة المحاصيل بنسبة 20% وانخفاض إنتاج الحبوب بنسبة تصل إلى 50% في بعض الدول.
منطقة شرق إفريقيا، التي تعتمد بشكل كبير على الزراعة المروية بمياه الأمطار، تواجه أسوأ أزمة غذائية على الإطلاق، حيث يعاني 12 مليون شخص من نقص حاد في الغذاء. في السودان، أدى انخفاض الأمطار إلى تراجع إنتاج الذرة الرفيعة بنسبة 25%، مما يفاقم معاناة السكان.
أزمة المياه وأمن الطاقة
تعاني إفريقيا أيضًا من تراجع مستمر في مواردها المائية نتيجة للجفاف المتكرر وأنماط استغلال الأراضي غير المستدامة. تشير التقديرات إلى أن ما بين 75 و250 مليون شخص في القارة قد يواجهون شحًّا مائيًا متزايدًا بحلول عام 2030.
كما تؤثر التغيرات المناخية على أمن الطاقة، حيث يهدد انخفاض تدفقات المياه إنتاج الطاقة الكهرومائية، بينما يعيق ارتفاع مستوى سطح البحر عمليات استخراج النفط والغاز.
نزوح وتوترات: تأثيرات اجتماعية وأمنية
دفعت الكوارث المناخية ملايين الأفارقة إلى النزوح. ففي عام 2023، استضافت منطقة شرق إفريقيا والقرن الإفريقي 19 مليون نازح، بينهم 5.4 مليون لاجئ وطالب لجوء. تسبب النزوح الجماعي في نزاعات على الموارد مثل المياه والأراضي، مما زاد من التوترات الداخلية والإقليمية.
تزيد هذه الأزمات من هشاشة الدول الإفريقية، حيث تواجه بوروندي وإثيوبيا والصومال وجنوب السودان والسودان مستويات عالية من عدم الاستقرار بسبب الأزمات المناخية.
جهود القارة السمراء لمواجهة التحدي
في محاولة للتصدي لهذه الكوارث، تسعى الدول الإفريقية لتعزيز تمويلها من المجتمع الدولي لمواجهة آثار التغير المناخي. وخلال مؤتمر الأطراف (COP29) في أذربيجان، طالب القادة الأفارقة بزيادة الدعم المادي والتقني للقارة، مؤكدين أن مواجهة التغير المناخي مسؤولية مشتركة.
كما تعمل الحكومات الإفريقية على تبني سياسات أكثر استدامة لتحسين إدارة الموارد، وتشجيع استخدام مصادر الطاقة المتجددة، وتعزيز البنية التحتية الزراعية.
الطريق إلى المستقبل
رغم الجهود المبذولة، لا تزال التحديات هائلة، وتتطلب استجابات عالمية منسقة لدعم إفريقيا في مواجهة أزماتها المناخية. إذ لا يكفي تقديم المساعدات الطارئة وحدها؛ بل يجب الاستثمار في تعزيز قدرة القارة على التكيف مع هذه التغيرات، بما يضمن تحقيق التنمية المستدامة وحماية أرواح الملايين.
تبقى قصص اللاجئين والمزارعين والأطفال المتضررين من التغير المناخي تذكرة للعالم بأن أزمة المناخ ليست مجرد مشكلة بيئية، بل تحدٍ إنساني يتطلب حلولًا جذرية ومستدامة.
تعليقات 0