تناقضات السياسة الأمريكية.. وزارة الدفاع ترسل منظومة “ثاد” إلى إسرائيل والخارجية تهددها بوقف المساعدات
في خطوة جديدة ومفاجئة تتعلق بتطورات الأزمة المتصاعدة في قطاع غزة، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) عن وصول منظومة الدفاع الجوي المتطورة “ثاد” إلى إسرائيل، في حين كشفت تقارير إعلامية عن رسالة أمريكية وجهت إلى القيادة الإسرائيلية تحذر من احتمالية وقف المساعدات العسكرية الأمريكية في حال عدم الاستجابة لضغوط دولية للسماح بمرور مساعدات إنسانية كافية إلى قطاع غزة.
هذه التحركات الأمريكية التي تجمع بين دعم إسرائيل عسكرياً والضغط السياسي عليها لاتخاذ إجراءات إنسانية، تبرز التناقضات التي تحكم سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل، خصوصاً في ظل تصاعد الانتقادات الدولية بسبب الأوضاع الإنسانية المتدهورة في غزة.
إرسال منظومة “ثاد” إلى إسرائيل
في بيان رسمي، أكدت وزارة الدفاع الأمريكية وصول منظومة “ثاد”، وهي منظومة دفاع جوي مصممة لاعتراض الصواريخ البالستية بعيدة المدى، إلى إسرائيل.
وأوضح البنتاجون أن عسكريين أمريكيين سيشرفون على تشغيل المنظومة بالتعاون مع نظرائهم الإسرائيليين، مشيراً إلى أن المزيد من العسكريين الأمريكيين ومكونات البطارية الدفاعية ستصل في الأيام المقبلة، لتعزيز القدرات الدفاعية الإسرائيلية في مواجهة التهديدات الصاروخية البالستية.
واعتبر البيان أن نشر هذه المنظومة المتطورة يعكس التزام الولايات المتحدة الدائم بحماية إسرائيل من التهديدات الخارجية، خاصةً تلك المرتبطة بإيران، التي يُخشى أن تكون قادرة على شن هجمات صاروخية بعيدة المدى تستهدف الأراضي الإسرائيلية.
يأتي هذا الدعم الأمريكي لإسرائيل في وقت تشهد فيه المنطقة توتراً متزايداً على خلفية الحرب الإسرائيلية على غزة.
منذ بدء العمليات العسكرية الإسرائيلية في 7 أكتوبر 2023، قدمت الولايات المتحدة دعماً سياسياً وعسكرياً مكثفاً لإسرائيل، بما في ذلك شحنات من الأسلحة المتطورة، التي تشمل القنابل والصواريخ التي تستخدم حالياً في العمليات العسكرية ضد قطاع غزة، فضلاً عن إمدادات عسكرية وصلت إلى لبنان لمواجهة التهديدات المستمرة في المنطقة.
ووفقاً لدراسة صادرة عن معهد “واتسن” للشؤون الدولية في جامعة براون الأمريكية، وافقت الحكومة الأمريكية على تقديم مساعدات عسكرية وأمنية لإسرائيل منذ بدء الحرب بقيمة تُقدر بـ 17.9 مليار دولار. هذا الدعم السخي يشمل تزويد إسرائيل بأسلحة ومعدات متقدمة تساعدها في العمليات العسكرية الجارية في غزة وغيرها من المناطق.
تحذير أمريكي بشأن المساعدات الإنسانية: رسالة بلينكن وأوستن
على الجانب الآخر من المعادلة، وفي خطوة تعكس تزايد القلق الأمريكي بشأن الوضع الإنساني في غزة، كشفت وسائل إعلام أمريكية عن رسالة وجهها وزيرا الخارجية والدفاع الأمريكيان، أنتوني بلينكن ولويد أوستن، إلى نظرائهم الإسرائيليين، تحذر من أن الولايات المتحدة قد تضطر إلى إعادة تقييم علاقاتها العسكرية مع إسرائيل، بما في ذلك وقف المساعدات العسكرية، إذا لم تتخذ إسرائيل خطوات ملموسة للسماح بمرور مساعدات إنسانية كافية إلى غزة.
وأفادت التقارير الإعلامية بأن هذه الرسالة تعد واحدة من أشد الرسائل التي وجهتها الولايات المتحدة إلى إسرائيل في السنوات الأخيرة، مشيرة إلى أن تل أبيب قد تجد نفسها مضطرة لاتخاذ إجراءات كبيرة لزيادة المساعدات الإنسانية لتجنب أزمة دبلوماسية مع واشنطن.
وتشير التقارير إلى أن الإدارة الأمريكية تشعر بعدم الثقة في نوايا الحكومة الإسرائيلية تجاه تحسين الأوضاع الإنسانية في غزة.
وأكد متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، وجود هذه الرسالة، موضحاً أن الهدف منها هو الضغط على إسرائيل لاتخاذ تدابير عاجلة لرفع مستوى المساعدات الإنسانية المقدمة إلى الفلسطينيين في قطاع غزة، والتي انخفضت بنسبة تزيد عن 50% مقارنة بالذروة التي وصلت إليها في وقت سابق. وأضاف أن الإدارة الأمريكية تشعر بقلق بالغ إزاء تفاقم الأوضاع الإنسانية في غزة.
وجاء في نص الرسالة: “لعكس مسار التدهور الإنساني، وبما يتفق مع تأكيداتها لنا، يتعين على إسرائيل، بدءاً من الآن وفي غضون 30 يوماً، أن تتخذ تدابير ملموسة لإدخال مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة”.
وتضمنت الرسالة تحذيراً من أن الفشل في اتخاذ هذه التدابير قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة على السياسة الأمريكية، بما في ذلك تقليص أو وقف المساعدات العسكرية التي تعتمد عليها إسرائيل في مواجهة التهديدات الأمنية.
ردود الفعل الإسرائيلية على الرسالة الأمريكية
في هذا السياق، وصفت وسائل إعلام إسرائيلية رسالة بلينكن وأوستن بأنها “الأقسى” التي أرسلتها الولايات المتحدة إلى إسرائيل منذ عقود. وأشارت صحيفة “يديعوت أحرونوت” إلى أن المسؤولين الإسرائيليين يعتبرون أن هذه الرسالة تمثل جرس إنذار للإدارة الإسرائيلية بشأن العلاقة الحساسة مع واشنطن، خاصة مع تلويح الولايات المتحدة بوقف إمدادات الأسلحة إذا لم تلتزم إسرائيل بالسماح بمرور المساعدات الإنسانية إلى غزة.
وأوضحت الصحيفة أن الرسالة تعكس أزمة ثقة متزايدة بين الإدارة الأمريكية وحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وتابعت أن إسرائيل قد تضطر لاتخاذ خطوات جادة لزيادة المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة لتجنب الأزمة المتوقعة مع واشنطن.
وفي سياق متصل، ذكرت الصحيفة أن الرسالة تجاوزت رئيس الوزراء نتنياهو، حيث تم توجيهها مباشرة إلى وزير الدفاع يوآف جالانت ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر. ويعتبر هذا التجاهل المباشر لنتنياهو مؤشراً على تدهور العلاقات بين البيت الأبيض والحكومة الإسرائيلية.
خلفية الأزمة وتفاقم الوضع الإنساني في غزة
تأتي هذه التطورات في ظل استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، والتي أسفرت عن مقتل وإصابة أكثر من 141 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال.
وتفاقمت الأوضاع الإنسانية في القطاع بشكل كبير نتيجة للحصار الإسرائيلي المفروض منذ أكثر من 18 عاماً، حيث يواجه سكان غزة نقصاً حاداً في المواد الغذائية والمياه والأدوية، مما دفع المنظمات الدولية إلى إطلاق نداءات عاجلة لزيادة المساعدات الإنسانية.
وتتهم الحكومة الإسرائيلية بأنها تتعمد تقليص مرور المساعدات الإنسانية إلى غزة في إطار استراتيجية عسكرية تعرف بـ “خطة الجنرالات”، التي تهدف إلى عزل شمال القطاع وتحويله إلى منطقة عسكرية مغلقة.
ووفقاً لتقارير إعلامية، فإن إسرائيل تنفذ هذه الخطة على مراحل، حيث تم إجلاء السكان من بلدات شمال غزة مثل بيت حانون وجباليا، بهدف قطع الإمدادات عن المسلحين وإجبارهم على الاستسلام أو الموت.
على الرغم من الانتقادات الدولية المتزايدة، لا تزال إسرائيل ترفض الانصياع لقرارات مجلس الأمن الدولي بوقف العمليات العسكرية فوراً، كما تتجاهل أوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير عاجلة لتحسين الأوضاع الإنسانية في القطاع.
التناقضات في السياسة الأمريكية: دعم عسكري وضغط إنساني
إن هذه التطورات تسلط الضوء على التناقضات التي تحكم السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل. فمن ناحية، تستمر واشنطن في تقديم دعم عسكري غير محدود لتل أبيب، بما في ذلك إرسال منظومات دفاع جوي متطورة مثل “ثاد”، فيما تحاول من ناحية أخرى الضغط عليها لاتخاذ إجراءات إنسانية تخفف من معاناة المدنيين في غزة.
ومع تزايد الضغوط الدولية لإيقاف الحرب وتحسين الأوضاع الإنسانية، يجد البيت الأبيض نفسه في موقف صعب يحاول فيه التوفيق بين دعمه الثابت لإسرائيل وضغوط المجتمع الدولي والأمم المتحدة بشأن الوضع الإنساني الكارثي في غزة.
ختاماً، فإن التطورات المقبلة ستكشف ما إذا كانت إسرائيل ستستجيب لهذه الضغوط وتتخذ إجراءات لزيادة المساعدات الإنسانية، أم ستستمر في نهجها الحالي، مما قد يؤدي إلى أزمة دبلوماسية مع أكبر حليف لها، الولايات المتحدة الأمريكية.
تعليقات 0