جرائم حرب في السودان.. ولاية الجزيرة تفقد أرواح أطفالها بسلاح قوات الدعم السريع
لم يكن صباح السودان كما هو، فالقرى التي كانت تعج بالحياة هجرها سكانها، حاملين معهم خوفًا يتسع لوجع وطن، ورحلة مريرة نحو المجهول.
وفي أروقة ولاية الجزيرة، مشهد يرويه شهود العيان بقلوب مثقلة، قائلين إن آلاف المدنيين، بينهم شيوخ وأطفال، أُجبروا على الهروب من منازلهم بعد أن حاصرتهم قوات الدعم السريع بتهديدات قاتمة.
في بلدة صغيرة، حملت الأمهات أطفالهن وأخذ الرجال بأيدي من استطاعوا من أسرهم، ليبدؤوا رحلة نزوح شاقة. يقول أحد الشهود: “رأيت أمًا تحمل طفلها وهو ينهار من التعب بين ذراعيها، وفي مشهد لم يترك فينا سوى الحزن، وارته يداها الصغيرة في رمال الطريق قبل أن تكمل مسيرتها”.
تزامن هذا النزوح مع توجيهات صارمة من قوات الدعم السريع للأهالي بمغادرة قراهم، محذرين من أن البلدة يجب أن تكون فارغة صباح اليوم التالي. “كانت لحظات مرعبة”، يقول شاب من البلدة، “خوفاً من بطشهم، بدأنا بالخروج ليلاً، واضطررنا لحمل المرضى وكبار السن على شاحنات مؤقتة، ومن لم يجد مكاناً سار خلفنا على الأقدام”.
مسار الشقاء والوجع
تحت شمس قاسية وأراضٍ قاحلة، قطع النازحون مسافات طويلة بلا ماء أو طعام، وأثناء الليل كان النوم في العراء هو الخيار الوحيد، وسط أصوات الخوف والتعب. وعندما أحكمت قوات الدعم السريع قبضتها، ازدادت معاناة هؤلاء الفارين، حيث اضطر بعض النساء للولادة في منتصف الطريق بمساعدة نساء أخريات، في محاولة للحفاظ على حياة جديدة وسط مأساة.
لم تقتصر المأساة على المعاناة الجسدية، بل امتدت لأبعاد أشد قسوة، إذ قامت قوات الدعم السريع بقتل امرأة مسنة، وحذرت الأهالي من دفنها تحت طائلة التهديد بالقتل. ويصف سكان بلدة الكتير مأساتهم بأن الجنود أطلقوا نيرانهم على أي شخص يحاول إنقاذ جثث أقاربه.
أحداث مريرة في تمبول ومدن أخرى
وفي مشهد أكثر وحشية، اجتاحت قوات الدعم السريع مدينة تمبول، إحدى أكبر المناطق الحضرية في شرق الجزيرة، حيث قتل الجنود عشرات المدنيين دون تمييز، واستباحوا المنازل والأملاك بحثًا عن ثروات دفينة أو مقتنيات ذات قيمة.
ويروي أحد الناجين كيف كان الجنود يطرقون الأبواب بقسوة، ويقفزون فوق الأسوار، بينما يطالبون بوسائل النقل والذهب، ويقتلون من يعترض طريقهم دون تردد.
“لقد نصبوا القناصين على أسطح المنازل ونشروا نقاط التفتيش في كل مكان”، يضيف شاهد آخر، واصفًا الأجواء المتوترة التي حوّلت البلدة إلى منطقة مرعبة، لا تجد فيها سوى القهر والموت.
جثث على الطرقات
رحلة النزوح لم تتوقف، لكنها كانت محفوفة بأصعب المناظر، إذ أفاد شهود أنهم شاهدوا مئات الجثث المتناثرة على الطرقات، بعضها لعسكريين وآخرين بملابس مدنية، ورغم معرفة الأهالي ببعض الجثث، إلا أن الجنود صوّبوا أسلحتهم مهددين بعدم الاقتراب.
في حين نقل النازحون ما تبقى من روايات مأساوية إلى مدينة حلفا الجديدة، حيث امتلأت المدارس باللاجئين الذين فروا من رعب النزاع، وظلت مئات العائلات تصل يوميًا إلى أماكن الإيواء.
استجابة إنسانية أممية على وقع الكارثة
أمام تصاعد العنف واستمرار النزوح، أعلنت الأمم المتحدة، عبر مكتب الشؤون الإنسانية في السودان “أوتشا”، عن مقتل عشرات المدنيين وإصابة آخرين بجروح، في أعقاب موجة من الهجمات المسلحة التي اجتاحت ولاية الجزيرة. وتقدر المنظمة أن نحو 46 ألف شخص فروا من قراهم شرقي الولاية نحو ولايات أخرى مثل القضارف وكسلا ونهر النيل.
وأشار تقرير المنظمة إلى أن قوات الدعم السريع نفذت عمليات إطلاق نار عشوائية ضد المدنيين، ارتكبت خلالها انتهاكات جسيمة، شملت العنف الجنسي ونهب الأسواق وحرق الأراضي الزراعية، ما خلف دمارًا كبيرًا وحطم آمال آلاف الأسر في حياة آمنة.
بهذه الصور المؤلمة، يعكس النزاع في السودان وجهاً إنسانياً بالغ القسوة، يحصد الأرواح ويفتك بالبلاد وأهلها، فيما تقف المنظمات الإنسانية عاجزة أمام موجات نزوح لم تهدأ بعد، وجروح لن تندمل سريعًا.
تعليقات 0