خسارة كامالا هاريس تهز الديمقراطيين.. أصابع الاتهام تتجه نحو بايدن.. والحزب يعترف: فقدنا الطبقة المتوسطة من كل الأعراق
على بعد خطوات من البيت الأبيض، تجد كامالا هاريس نفسها أمام مرآة الحقيقة السياسية المُرة، مستعرضةً رحلة سياسية قصيرة مليئة بالآمال والطموحات، لكنها انتهت بسقوط مدوٍ قد يعيد رسم ملامح الحزب الديمقراطي لسنوات قادمة.
في المقابل، يصعد دونالد ترامب مجددًا إلى أعلى هرم السلطة، ليحقق عودة سياسية تعتبر أشبه بالمعجزة، ويكتب فصلاً جديدًا في التاريخ الأمريكي، ليصبح أول رئيس يخسر إعادة انتخابه ويعود لاحقًا إلى المكتب البيضاوي منذ عهد جروفر كليفلاند في عام 1892.
في المشهد الانتخابي المعقد، تظهر قصص من الخيبة والتحليل بين أروقة الحزب الديمقراطي، حيث تتناثر أوراق التحليل والانتقادات على مكاتب المحللين، في محاولة لفهم السقوط الكبير الذي لم تتنبأ به معظم استطلاعات الرأي.
وإذ جاءت الخسارة رغم الحملة الانتخابية الضخمة التي أدارتها هاريس، والتي أُنفقت عليها ملايين الدولارات، وتمتعت بدعم نجوم عالميين من أمثال تايلور سويفت وبيونسيه وباد باني، لكن تلك الشعبية والملايين لم تكن كافية لإقناع الناخب الأمريكي، الذي فضل العودة إلى الماضي مع دونالد ترامب.
أسئلة كثيرة بلا إجابات.. الديمقراطيون في حالة صدمة
تساءلت صحيفة “واشنطن بوست” عن السر وراء هزيمة هاريس المفاجئة، مشيرةً إلى حالة من الذهول وعدم التصديق في أوساط الديمقراطيين، الذين رأوا في ترامب منافسًا من الصعب تجاوزه رغم سنه المتقدم، خاصة بعد أن حصل على أغلبية أصوات المجمع الانتخابي بفارق أكبر من المتوقع، محققًا انتصاره الرئاسي الثالث.
وذهب البعض إلى التوقع بأنه ربما يفوز للمرة الأولى في تاريخه الانتخابي بالتصويت الشعبي، وهو أمر لم يحدث مع أي مرشح جمهوري منذ فوز جورج دبليو بوش في انتخابات 1988.
ورغم حملة انتخابية شابها الحماس والمنافسة، فشلت هاريس في إقناع الناخبين، خاصة في بعض الولايات الديمقراطية التقليدية، إذ كانت تتقدم بفارق طفيف في ولاية نيوجيرسي، التي سبق وفاز بها بايدن في انتخابات 2020 بفارق 16 نقطة.
وقد أعادت تلك النتائج إلى الأذهان أزمة الديمقراطيين مع القاعدة العريضة من الطبقة المتوسطة، حيث لم تتمكن هاريس من إقناع هؤلاء الناخبين، مما أضر بشدة بفرصها الانتخابية.
انقسام داخل الحزب.. وتبادل الاتهامات
لم تمر خسارة هاريس دون أن تُشعل فتيل الانتقادات والانقسامات داخل الحزب الديمقراطي.
وإذ قال مسؤول ديمقراطي من ولاية ميشيجان المتأرجحة، إن حملة هاريس لم تبذل جهدًا كافيًا لجذب الناخبين اللاتينيين، الذين أظهروا تراخيًا ملحوظًا، بينما ألقى بعض مساعدي هاريس باللوم على بايدن، الذي اتهموه بتأخير انسحابه من السباق، مما خلق “سحابة سياسية” فوق الحزب وعرقل مساعي هاريس.
من جهة أخرى، أشارت مجلة “بوليتيكو” إلى أن هاريس ورثت حملة انتخابية متداعية من بايدن في فصل الصيف، حيث لم تحظَ بشعبية كبيرة ولا دعم قوي، مما اضطر الديمقراطيين إلى الضغط على بايدن للانسحاب من السباق لصالحها.
ومع بدء حملتها، تمكنت هاريس من استقطاب جمهور واسع من النساء، وشددت على أهمية الوصول إلى الفئات الشابة عبر منصات التواصل الاجتماعي، لكن هذا الزخم لم يصمد طويلاً أمام التحديات.
التركة الثقيلة لبايدن.. ومعضلة الاقتصاد
كانت هاريس تواجه مأزقًا صعبًا بين رغبتها في تقديم نفسها كبديل حقيقي عن بايدن وبين الحاجة لتجنب انتقاد سجله. ورغم أنها لم تبتعد بشكل واضح عن إرث بايدن، إلا أنها تجنبت رسم أي خط فاصل قوي بين حملتها وبين سياسات بايدن الاقتصادية، التي كانت محط انتقاد واسع من الناخبين. هذا التردد أضعف رسالتها، وحرمها من كسب ثقة الناخبين الذين كانوا يبحثون عن تغيير حقيقي في القيادة.
وقال بعض مساعديها إنهم بذلوا أقصى ما بوسعهم لإدارة الحملة في ظل حقيقة أن بايدن هو الرئيس الحالي، مما جعل من الصعب على هاريس الترويج لرؤيتها الخاصة دون التعرض لسجل بايدن. وأكدوا أن السبب الأكبر لخسارة هاريس يعود إلى بايدن، الذي لم يوفر للناخبين الفرصة لاستكشاف قيادة ديمقراطية جديدة، بل ترك الحزب يواجه تداعيات فترته الرئاسية.
ترامب واستراتيجية “التذكير بالمخاطر”
في الأسابيع الأخيرة من الحملة، قررت هاريس استخدام استراتيجية “التذكير بالمخاطر” عبر عرض تعليقات ترامب المثيرة للجدل على شاشات ضخمة في فعالياتها الانتخابية، في محاولة لتسليط الضوء على مخاطر إعادة انتخابه. إلا أن هذا النهج لم يلقَ صدى واسعًا بين الناخبين، وأظهر أن تكرار الحديث عن سياسات ترامب لم يعد كافيًا لإقناع الناخبين بتغيير موقفهم.
الخلاصة.. درس سياسي للحزب الديمقراطي
مع إعلان النتائج، يجد الحزب الديمقراطي نفسه أمام درس قاسٍ يتطلب منه إعادة ترتيب أوراقه السياسية، حيث باتت الخسارة بمثابة جرس إنذار يستدعي مراجعة شاملة للاستراتيجيات والسياسات التي يجب أن يتبناها في المستقبل. فالهزيمة أمام ترامب لم تكن مجرد خسارة سياسية، بل كانت تعبيرًا عن غضب وإحباط شريحة واسعة من الناخبين، الذين فضّلوا العودة إلى الماضي على الاستمرار في دعم الحاضر.
بهذا المشهد المعقد، تظل الأسئلة الكبرى مطروحة حول مستقبل الحزب الديمقراطي، وكيفية استعادته لثقة الناخبين، ليعيد بناء نفسه من جديد، خاصة بعد الهزيمة التي أصابت كل الدوائر الحزبية بصدمة قد تمتد آثارها لسنوات طويلة.
تعليقات 0