سوريا تضيع في دوامة المصالح الدولية.. دمشق تدفع ثمن صراعات القوى العظمى وأحلام السلام المفقود
في قلب الشرق الأوسط، حيث تختلط رائحة البارود بعطر التاريخ العريق، تعيش سوريا مأساة عميقة تحولت إلى أحد أكثر النزاعات تعقيدًا في العصر الحديث.
ومنذ اندلاع الأزمة عام 2011، تحولت سوريا إلى رقعة شطرنج تتنازع عليها قوى دولية وإقليمية، كل منها يحاول تحقيق أهدافه الاستراتيجية، بينما يدفع الشعب السوري ثمنًا باهظًا من الدماء والدمار.
لوحة متعددة الألوان… كلها قاتمة
من الأحمر الروسي إلى الأزرق الأمريكي، ومن الأخضر التركي إلى البني الإيراني، تجد سوريا نفسها في قلب فسيفساء معقدة من المصالح.
أخبار تهمك
وتتحرك القوى الكبرى والإقليمية بخطوات محسوبة، حيث تتشابك المصالح الاقتصادية والسياسية والعسكرية في مشهد شديد التعقيد.
وفي الوقت الذي تسعى فيه كل دولة لتعزيز نفوذها، يبقى الإنسان السوري وحيدًا، ممزقًا بين الفقر والتشريد، يحلم بوطن يعيد إليه الأمان والكرامة.
روسيا… اليد الحديدية خلف الدبلوماسية
منذ بداية النزاع، اتخذت روسيا موقفًا داعمًا للنظام السوري، ليس فقط من منطلق تحالف استراتيجي، بل أيضًا لتعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط ومواجهة الهيمنة الغربية.
وقد دعمت موسكو النظام السوري عسكريًا من خلال الضربات الجوية وإرسال قوات برية، ما مكنه من استعادة السيطرة على معظم الأراضي التي كانت تحت سيطرة المعارضة.
إضافةً إلى ذلك، تعمل روسيا على تعزيز وجودها العسكري طويل الأمد، خاصة في القواعد البحرية والجوية، كما تحاول لعب دور الوسيط السياسي الرئيسي عبر محادثات أستانا وجنيف.
ومع ذلك، تواجه روسيا تحديات جديدة، أبرزها استنزاف مواردها بسبب الحرب في أوكرانيا، مما قد يؤثر على استمرار دورها في سوريا بنفس القوة.
إيران… الحليف الصامت والممرات الاستراتيجية
تسعى إيران إلى ضمان بقاء نفوذها في سوريا كجزء من مشروعها الإقليمي الأوسع.
وقد دعمت طهران النظام السوري من خلال إرسال قوات ومستشارين عسكريين، بالإضافة إلى دعم الجماعات المسلحة الموالية لها مثل حزب الله.
ولكن يبدو أن طهران قد بدأت تراجع استراتيجيتها في سوريا، حيث تواجه ضغوطًا دولية متزايدة بشأن برنامجها النووي، إلى جانب العقوبات الاقتصادية التي تثقل كاهلها. مع ذلك، تحاول إيران استثمار الوضع السوري لتعزيز موقفها التفاوضي في المحافل الدولية، ما يجعلها لاعبًا أساسيًا يصعب تجاهله.
الولايات المتحدة… رقابة مستمرة وضغوط اقتصادية
رغم تقليص الولايات المتحدة تدخلها المباشر في سوريا، إلا أنها لا تزال تحتفظ بوجود عسكري محدود في الشمال الشرقي، حيث تدعم قوات سوريا الديمقراطية. الهدف الرئيسي لواشنطن هو منع عودة تنظيم داعش الإرهابي ومنع إيران وروسيا من تعزيز نفوذهما في المنطقة.
علاوة على ذلك، تستمر الولايات المتحدة في ممارسة ضغوط اقتصادية شديدة على النظام السوري، من خلال فرض عقوبات تهدف إلى عزل النظام ودفعه نحو القبول بحل سياسي.
ومع انتخاب إدارة جديدة في الولايات المتحدة، تتزايد التكهنات بشأن طبيعة السياسة الأمريكية تجاه سوريا في المرحلة المقبلة.
تركيا… الأمن القومي أولًا
بالنسبة لتركيا، يشكل النزاع في سوريا تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، خاصة مع تصاعد نفوذ الأكراد على حدودها الجنوبية. تسعى أنقرة إلى إقامة منطقة آمنة لمنع أي كيان كردي مستقل قد يهدد وحدة أراضيها.
من خلال تدخلها العسكري في شمال سوريا، تواصل تركيا تنفيذ عمليات عسكرية تستهدف وحدات حماية الشعب الكردية، التي تعتبرها امتدادًا لحزب العمال الكردستاني. بالإضافة إلى ذلك، تعمل تركيا على تعزيز حضورها في المحادثات الدولية لضمان تحقيق مصالحها الاستراتيجية في أي تسوية سياسية قادمة.
الأمم المتحدة والدول الأوروبية… مساعٍ محدودة وتأثير ضئيل
رغم جهود الأمم المتحدة المتواصلة لتقديم المساعدات الإنسانية للسوريين ودفع الأطراف نحو طاولة المفاوضات، إلا أن تأثيرها يظل محدودًا بسبب الانقسامات الدولية. تسعى المنظمة الأممية إلى تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي يدعو إلى إجراء انتخابات حرة وعادلة في سوريا، لكن هذه الجهود تصطدم بمعارضة قوى رئيسية على الأرض.
أما الدول الأوروبية، فتسعى إلى تحقيق تسوية سياسية تُنهي الصراع وتمنع تدفق اللاجئين إلى أراضيها، لكنها تواجه صعوبات في فرض رؤيتها بسبب تراجع نفوذها مقارنة بالقوى الكبرى.
الإنسان السوري… الحلم بوطن جديد
وسط هذه اللعبة الدولية المعقدة، يبقى الإنسان السوري الضحية الأكبر. ما بين القصف والتهجير والجوع، يعيش الملايين من السوريين في ظروف إنسانية مأساوية. ومع استمرار النزاع، تتضاءل الآمال في تحقيق سلام حقيقي يعيد للسوريين وطنهم المنشود.
في ظل هذا المشهد المظلم، لا تزال سوريا تواجه تحديات هائلة، حيث تتقاطع فيها المصالح الدولية بطريقة تجعل الحل السياسي أكثر تعقيدًا. ومع ذلك، يبقى الأمل في أن تجد هذه البلاد، التي كانت يومًا منارة للحضارة، طريقها نحو السلام والاستقرار.
سوريا… هل يحمل الغد بصيص أمل في نهاية هذا النفق المظلم؟
تعليقات 0