فاتورة التغيرات المناخية تدفعها الدول النامية.. 120 مليار دولار خسائر في النصف الأول من 2024
التغيرات المناخية أصبحت اليوم من أخطر القضايا التي تهدد استقرار الاقتصاد العالمي، إذ أنها تتسبب في خسائر اقتصادية هائلة تهدد الأمن الغذائي، وتعرقل خطط التنمية، وتقوض جهود مكافحة الفقر.
وعلى الرغم من أن الدول الكبرى هي المسؤولة عن الانبعاثات الغازية المسببة لهذه الظاهرة، إلا أن الدول النامية هي الأكثر تضررًا. ففي حين تشهد هذه الدول خسائر اقتصادية ضخمة، تواجه تحديات اجتماعية وخدمية جسيمة نتيجة لهذه الأزمة.
خسائر اقتصادية ضخمة في عام 2024
تستمر التغيرات المناخية في التأثير على الاقتصاد العالمي بشكل خطير. فقد ارتفعت الخسائر الناتجة عن الكوارث الطبيعية المرتبطة بالمناخ، إذ قدرت تقارير المؤسسات العالمية أن التغيرات المناخية تسببت في خسائر تقدر بـ120 مليار دولار في النصف الأول من عام 2024 فقط.
وهذا يمثل زيادة بنسبة 19% مقارنة بالمتوسط السنوي للخسائر المسجلة في العقد الماضي. وتوضح هذه الأرقام أن التغيرات المناخية أصبحت تهدد استدامة الاقتصادات، ما يجعل من الضروري أن يتخذ المجتمع الدولي إجراءات حاسمة لمواجهتها.
توزيع الخسائر العالمية: أمريكا الشمالية تتصدر
من حيث توزيع الخسائر، تشهد أمريكا الشمالية أعلى الخسائر من جراء الكوارث المناخية. فقد فاقت الخسائر في تلك المنطقة حاجز 2 تريليون دولار في عام 2024.
وهذا الرقم يعكس التأثير الكبير للظروف المناخية القاسية مثل العواصف الشديدة والحرائق المدمرة. أما في قارة آسيا، فقد تضررت من جراء الفيضانات، والجفاف، والحرائق، حيث تقدر خسائر القارة بـ1.4 تريليون دولار في العام نفسه.
في حين أن القارة الإفريقية، رغم أن إجمالي خسائرها يبلغ 43 مليار دولار فقط، فإن هذه الأرقام تؤثر بشكل بالغ على اقتصادات الدول الإفريقية التي تعتمد بشكل كبير على الزراعة والموارد الطبيعية التي تتأثر بشكل مباشر بالتغيرات المناخية.
الزراعة والموارد المائية: القطاعات الأكثر تضررًا
قطاع الزراعة هو الأكثر تضررًا من هذه التغيرات. فقد أدت الفيضانات والجفاف إلى تدمير المحاصيل الزراعية في العديد من الدول النامية، مما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتفاقم معدلات الفقر في هذه المناطق. على سبيل المثال، في جنوب آسيا وأفريقيا،
وأدى تدمير المحاصيل نتيجة الجفاف إلى انخفاض حاد في الإنتاج الزراعي، مما يزيد من حدة أزمة الأمن الغذائي في هذه المناطق. علاوة على ذلك، فإن العديد من الدول، خصوصًا في إفريقيا، تواجه مشكلة التصحر وتدهور الأراضي الزراعية، ما يعمق من الأزمة الغذائية.
كما أن تقلبات الطقس تجعل الزراعة أكثر صعوبة. ففي مناطق مثل دلتا النيل في مصر، أو بنجلاديش، يزداد خطر الفيضانات وارتفاع مستوى سطح البحر، مما يشكل تهديدًا مباشرًا على الأراضي الزراعية والمناطق السكانية.
الأمن الغذائي: تحديات جديدة تهدد المليارات
التغيرات المناخية تتسبب أيضًا في تفاقم مشاكل الأمن الغذائي في العديد من الدول النامية. فعلى الرغم من ارتفاع الطلب العالمي على الغذاء بسبب زيادة عدد السكان، فإن انخفاض الإنتاج بسبب العوامل المناخية يشكل تهديدًا حقيقيًا للأمن الغذائي في هذه المناطق. وفي بعض المناطق، تُضاف إلى هذه الأزمة مشكلة نقص المياه العذبة، مما يؤدي إلى تقليص القدرة على الزراعة بشكل أكبر.
تتوقع التقارير أن تصل الخسائر العالمية في الإنتاج الزراعي إلى حوالي 5.5 تريليون دولار بحلول عام 2050، إذا استمر الوضع على ما هو عليه. وهذا يعكس تأثيرات كارثية على الاقتصادات التي تعتمد على الزراعة بشكل كبير، مما يزيد من حدة الفقر والجوع في العديد من المناطق النامية.
استثمارات ضخمة لمواجهة الأزمة
من أجل مواجهة هذه التحديات، يحتاج العالم إلى استثمارات ضخمة تُقدر بحوالي 100 إلى 300 مليار دولار سنويًا على مدى العقود المقبلة. وتوجه هذه الاستثمارات إلى تحديث البنية التحتية، وتعزيز استخدام الطاقة المتجددة، وتطوير تقنيات الزراعة المستدامة، فضلاً عن توفير الدعم المالي والتقني للدول النامية.
كما يجب أن يتم التركيز على تطوير مشاريع تعزز قدرة الدول على التكيف مع التغيرات المناخية. على سبيل المثال، تعزيز تقنيات الري الحديثة في الزراعة، وتطوير شبكات الكهرباء الذكية التي تعتمد على مصادر الطاقة المتجددة مثل الشمس والرياح.
أبعاد الأزمة الاقتصادية: انخفاض الناتج المحلي الإجمالي العالمي
من المتوقع أن يستمر تأثير التغيرات المناخية في تصاعده في المستقبل، حيث تشير الدراسات إلى أن الناتج المحلي الإجمالي العالمي قد ينخفض بحلول عام 2050 بنسبة تصل إلى 18.1% إذا لم تتخذ إجراءات عاجلة. وهذا يعني أن الاقتصادات النامية ستعاني من انخفاضات حادة في النمو الاقتصادي، مما يؤثر سلبًا على قدرتها على تحقيق التنمية المستدامة.
ضرورة التعاون الدولي
من أجل مواجهة التحديات الاقتصادية والتغيرات المناخية، يجب على المجتمع الدولي اتخاذ تدابير جماعية، حيث أن الدول النامية بحاجة إلى الدعم المالي والتقني لمساعدتها في التكيف مع التغيرات المناخية. ويجب أن تسهم الدول المتقدمة في توفير التمويل اللازم، ومشاركة التكنولوجيا والخبرات لتحسين قدرة هذه الدول على مقاومة الأزمات المناخية.
الخلاصة: الأزمة المناخية تتطلب استجابة عاجلة
في الختام، تعد التغيرات المناخية أزمة متعددة الأبعاد تهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في العالم. والآن، يتطلب الأمر إجراءات فاعلة من الدول والحكومات والمنظمات الدولية للحد من تفاقم هذه الأزمة. فالتغيرات المناخية لا تمثل تحديًا بيئيًا فحسب، بل تهدد بشكل مباشر الأمن الغذائي، وتؤدي إلى خسائر اقتصادية ضخمة قد تصل إلى أكثر من 5.5 تريليون دولار سنويًا في المستقبل. ومن هنا، تبرز الحاجة الملحة للاستثمار في الحلول المستدامة والتعاون الدولي لمواجهة هذه التحديات.
تعليقات 0