4 ديسمبر 2024 11:29
سيناء الإخبارية
سيناء الإخبارية

فرنسا في مواجهة مصير مجهول.. أزمة سياسية تطيح بحكومة بارنييه وتعمق أزمات الاقتصاد

تعيش فرنسا اليوم على وقع أزمة سياسية عاصفة تعيد إلى الأذهان أحلك لحظات تاريخها السياسي. ففي ظل انقسام حاد داخل البرلمان وتوتر غير مسبوق في الأوساط السياسية والشعبية،

وتقترب البلاد من تصويت مصيري قد يطيح بحكومة رئيس الوزراء ميشيل بارنييه، ويضع الجمهورية في مواجهة تداعيات غير معلومة المعالم.

خلفية الأزمة: قرارات جريئة وتأثيرات متصاعدة
تعود جذور الأزمة إلى قرار بارنييه، المفاوض السابق للاتحاد الأوروبي في ملف بريكست ورئيس الوزراء منذ سبتمبر الماضي، باللجوء إلى آلية دستورية مثيرة للجدل لتمرير مشروع قانون تمويل الضمان الاجتماعي والموازنة العامة، دون العودة إلى البرلمان.

فرنسا في مواجهة مصير مجهول.. أزمة سياسية تطيح بحكومة بارنييه وتعمق أزمات الاقتصاد

هذا القرار جاء بعد فشل مفاوضات مكثفة استمرت أسابيع مع الكتل البرلمانية المختلفة، في محاولة لتمرير خطته الاقتصادية التي تهدف إلى سد فجوة مالية ضخمة في ميزانية فرنسا. غير أن هذه الخطوة أثارت غضباً واسعاً، حيث اعتبرتها المعارضة تجاوزاً للسلطات التشريعية، مما دفعها إلى تقديم مذكرة لحجب الثقة عن الحكومة.

تحالفات سياسية غير مسبوقة
في سابقة تعكس عمق الانقسام السياسي، وحدت المعارضة اليسارية، ممثلة بتحالف الجبهة الشعبية الجديدة، صفوفها مع حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بقيادة مارين لوبان، في خطوة تهدف إلى الإطاحة بحكومة بارنييه.
ويُعد هذا التحالف بين تيارات متناقضة أيديولوجياً تطوراً نادراً، يعكس حجم الاستياء من أداء الحكومة وسياساتها الاقتصادية المثيرة للجدل.

سيناريوهات محتملة بعد التصويت
من المقرر أن يجري التصويت على مذكرة حجب الثقة يوم الأربعاء المقبل، وتشير التوقعات إلى احتمالية كبيرة لسقوط الحكومة، ما يعني تقديم بارنييه استقالته ودخول حكومته في وضع “تصريف الأعمال”.
ووفقاً للدستور الفرنسي، تقتصر صلاحيات حكومة تصريف الأعمال على إدارة الشؤون الجارية، مثل دفع الرواتب وتسيير الخدمات الأساسية، مع توقف الاجتماعات الوزارية وإصدار القوانين الجديدة.

فرنسا في مواجهة مصير مجهول.. أزمة سياسية تطيح بحكومة بارنييه وتعمق أزمات الاقتصاد

الرئيس ماكرون في موقف حرج
الأزمة الحالية تضع الرئيس إيمانويل ماكرون أمام أصعب اختبار سياسي في ولايته الثانية. فرغم أن الدستور يمنحه صلاحية الدعوة لانتخابات برلمانية مبكرة، إلا أن هذا الخيار مستبعد قبل صيف العام المقبل، بعدما سبق لماكرون أن لجأ إليه عقب هزيمة حزبه في الانتخابات الأوروبية.
وفي ظل برلمان منقسم بشدة ومعارضة متزايدة تطالب باستقالته، تبدو خيارات ماكرون محدودة للغاية، مما يعزز التحديات أمام قدرته على تشكيل حكومة جديدة قادرة على نيل ثقة البرلمان.

فرنسا في مواجهة مصير مجهول.. أزمة سياسية تطيح بحكومة بارنييه وتعمق أزمات الاقتصاد

الأبعاد الاقتصادية للأزمة
الأزمة السياسية تأتي في توقيت بالغ الحساسية للاقتصاد الفرنسي، الذي يعاني من عجز مالي كبير وصل إلى 6% من الناتج المحلي الإجمالي. ورغم محاولات بارنييه لاحتواء العجز من خلال سياسات تقشفية وزيادة الضرائب، إلا أنها قوبلت برفض شعبي وبرلماني، مما أدى إلى تعثر تنفيذها.

وتشير التقارير الاقتصادية إلى تراجع ثقة المستثمرين في الاقتصاد الفرنسي، حيث أصبحت السندات الفرنسية أقل جاذبية مقارنة بنظيراتها اليونانية، في إشارة إلى مدى تأثر الأسواق بالأزمة السياسية. كما شهد مؤشر CAC40 للأسهم الفرنسية انخفاضاً طفيفاً بنسبة 0.2%، ما يعكس المخاوف المتزايدة من تداعيات هذه الأزمة على ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو.

قلق أوروبي من تداعيات الأزمة
أزمة فرنسا لم تقتصر على حدودها الداخلية، بل أثارت مخاوف واسعة في أروقة الاتحاد الأوروبي، خاصة في ظل التزام باريس بخفض عجزها المالي وفقاً لمتطلبات بروكسل.

ورغم أن المفوضية الأوروبية كانت قد رحبت بخطط بارنييه الاقتصادية لخفض العجز إلى 5% العام المقبل، إلا أن هذه الخطط باتت مهددة، خاصة مع تنازلات بارنييه الأخيرة للمعارضة، مثل تخفيض ضرائب الكهرباء وتعويض المرضى عن الأدوية.

فرنسا في مواجهة مصير مجهول.. أزمة سياسية تطيح بحكومة بارنييه وتعمق أزمات الاقتصاد

مستقبل غامض ومخاطر متزايدة
في حال سقوط حكومة بارنييه، من المرجح أن تدخل فرنسا في فترة طويلة من عدم الاستقرار السياسي، مع استمرار حالة الشلل البرلماني وصعوبة تشكيل حكومة جديدة.
ورغم أن المؤسسات الفرنسية قادرة على تسيير الأعمال الأساسية، إلا أن غياب الاستقرار السياسي قد يُفاقم التحديات الاقتصادية والاجتماعية، مما يضع البلاد أمام تحديات جسيمة في الأشهر المقبلة.

هل تستطيع فرنسا تجاوز العاصفة؟
الأزمة السياسية الراهنة ليست مجرد معركة داخل البرلمان، بل تمثل اختباراً لقدرة الجمهورية على الحفاظ على استقرارها السياسي والاقتصادي في مواجهة انقسامات عميقة.
وفي ظل غياب حلول واضحة وارتفاع حدة التوترات، يبقى السؤال: هل يمكن لفرنسا أن تتجاوز هذه المرحلة العصيبة، أم أنها ماضية نحو مزيد من التصعيد الذي قد يُعيد تشكيل خريطة السلطة فيها؟