15 يناير 2025 00:59
سيناء الإخبارية
سيناء الإخبارية

اقتصاد إدلب يكشف حجم الأزمة السورية.. هيئة تحرير الشام تواجه تضخمًا بنسبة 92% وبطالة تجاوزت 78%

في خضم الأزمة السورية المستمرة منذ أكثر من عقد، برزت إدلب، الواقعة في الشمال الغربي للبلاد، كواحدة من أبرز المناطق التي تشهد مزيجًا معقدًا من الصراعات العسكرية والتحديات الاقتصادية.

تحت سيطرة هيئة تحرير الشام، يعتمد اقتصاد إدلب على أسس ريعية واحتكارية في ظل غياب واضح للتنمية المستدامة، مما يطرح تساؤلات حول قدرة هذا النموذج على الاستمرار.

الاقتصاد الريعي: أرقام ضخمة تعكس الواقع
منذ سيطرة هيئة تحرير الشام على إدلب عام 2017، اعتمدت بشكل أساسي على الاقتصاد الريعي لتحقيق إيرادات ضخمة. تشير التقديرات إلى أن الهيئة حصلت على 149 مليون دولار كغنائم حرب، إلى جانب 94 مليون دولار من صفقات تبادل الأسرى.

اقتصاد إدلب يكشف حجم الأزمة السورية.. هيئة تحرير الشام تواجه تضخمًا بنسبة 92% وبطالة تجاوزت 78% - 5 - سيناء الإخبارية

أخبار تهمك

صفقة تبادل الأسرى تلوح في الأفق.. تفاصيل أولية عن إطلاق سراح 33 أسيرًا فلسطينيًا مقابل تنازلات من حماس - 1 - سيناء الإخبارية

صفقة تبادل الأسرى تلوح في الأفق.. تفاصيل أولية عن إطلاق سراح 33 أسيرًا فلسطينيًا مقابل تنازلات من حماس

انسحاب فرنسا من إفريقيا.. مشهد تاريخي يغير قواعد النفوذ داخل القارة السمراء في 2025 - 3 - سيناء الإخبارية

انسحاب فرنسا من إفريقيا.. مشهد تاريخي يغير قواعد النفوذ داخل القارة السمراء في 2025

كما تعتمد الهيئة على فرض ضرائب متنوعة على الأنشطة التجارية والزراعية والصناعية، حيث تجني سنويًا أكثر من 70 مليون دولار. بالإضافة إلى ذلك، توفر المعابر الحدودية، وعلى رأسها معبر باب الهوى، إيرادات جمركية كبيرة.

وقد أكدت التقارير أن هذه المعابر توفر للهيئة ما بين 3 إلى 13 مليون دولار شهريًا، مما يعكس أهمية التجارة الحدودية في دعم اقتصاد المنطقة.

الليرة التركية: خطوة لتثبيت الاقتصاد أم أزمة جديدة؟
في محاولة للتعامل مع الانهيار المتواصل لليرة السورية، قررت هيئة تحرير الشام في عام 2020 استبدال العملة المحلية بالليرة التركية.

وعلى الرغم من أن هذه الخطوة هدفت إلى تحقيق استقرار نسبي في الأسواق، فإنها خلقت تحديات جديدة، لا سيما في ظل تدهور قيمة الليرة التركية نفسها، حيث انخفضت من 6.8 ليرة للدولار في عام 2020 إلى 12 ليرة بحلول نهاية 2021.

اقتصاد إدلب يكشف حجم الأزمة السورية.. هيئة تحرير الشام تواجه تضخمًا بنسبة 92% وبطالة تجاوزت 78% - 7 - سيناء الإخبارية

لإحكام السيطرة على النظام المالي، أسست الهيئة مؤسسة النقد العامة عام 2017، التي أجبرت شركات الصرافة على إيداع 25% من رؤوس أموالها في بنك “شام”. هذه السياسات ساعدت الهيئة على تعزيز قبضتها المالية، لكنها أثرت سلبًا على حركة السيولة في الأسواق المحلية.

الاحتكار يسيطر على الموارد الأساسية
لم تقتصر سيطرة الهيئة على الضرائب والجمارك فقط، بل امتدت إلى احتكار الموارد الأساسية، وخاصة النفط والغاز.

و تدير شركة “وتد” التابعة للهيئة عملية استيراد المشتقات النفطية عبر معبر باب الهوى، وتفرض أسعارًا مرتفعة على السكان، حيث وصل سعر البنزين إلى 10 ليرات تركية، بعد أن كان 4.7 ليرة فقط في عام 2020.

وإلى جانب الوقود، احتكرت الهيئة خدمات الإنترنت عبر شركة “SYRConnect”، التي تفرض أسعارًا باهظة مع غياب الخيارات البديلة، مما أثقل كاهل المواطنين الذين يعانون أصلاً من أزمات اقتصادية خانقة.

اقتصاد إدلب يكشف حجم الأزمة السورية.. هيئة تحرير الشام تواجه تضخمًا بنسبة 92% وبطالة تجاوزت 78% - 9 - سيناء الإخبارية

أزمات اقتصادية حادة: تضخم، بطالة، وأعباء يومية
يعاني سكان إدلب، البالغ عددهم نحو 4 ملايين نسمة، من أزمات اقتصادية متفاقمة. في عام 2022، بلغ معدل التضخم 92%، بينما تجاوزت نسبة البطالة 78%. كما يعاني السكان من ارتفاع تكاليف الحياة، خاصة مع زيادة أسعار الوقود التي تؤثر مباشرة على تكلفة المواصلات والزراعة والصناعة.

تشير التقارير إلى أن سكان إدلب يستهلكون يوميًا حوالي 150 ألف لتر من البنزين، إلا أن الأسعار المرتفعة جعلت العديد من الأسر عاجزة عن تحمل هذه التكاليف، مما دفع البعض إلى البحث عن بدائل غير قانونية.

خصخصة القطاع العام: بين الفرص والمخاطر
مع مواجهة الشركات الحكومية لخسائر فادحة تجاوزت 70% من إجمالي الإيرادات، بدأت الهيئة في دراسة إمكانية خصخصة هذه الشركات كجزء من استراتيجية جديدة لتخفيف الأعباء المالية.

رغم أن هذه الخطوة قد تساهم في تحسين كفاءة بعض القطاعات، فإنها قد تزيد من سيطرة النخبة الاقتصادية المرتبطة بالهيئة، مما يفاقم مشكلة الاحتكار.

اقتصاد إدلب يكشف حجم الأزمة السورية.. هيئة تحرير الشام تواجه تضخمًا بنسبة 92% وبطالة تجاوزت 78% - 11 - سيناء الإخبارية

الهيئة والدبلوماسية الاقتصادية
لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، تسعى هيئة تحرير الشام إلى الانفتاح على المجتمع الدولي. تقارير متعددة أكدت لقاءات بين مسؤولين في الهيئة ووفود بريطانية وأمريكية، في مساعٍ لتحسين صورتها وإيجاد دعم دولي يمكن أن يعزز من استقرارها المالي.

نظام “الموازنة الاثنى عشرية”: حل تكتيكي أم مؤقت؟
في محاولة للتكيف مع الظروف الراهنة، تبنت الهيئة نظام “الموازنة الاثنى عشرية”، الذي يقسم الميزانية السنوية إلى أجزاء شهرية، بهدف تعزيز المرونة المالية. رغم أن هذا النظام يعكس قدرة الهيئة على التكيف، فإنه يعكس أيضًا افتقارها لخطة اقتصادية طويلة الأمد.

الرهان على المستقبل: استدامة الاقتصاد في خطر؟
يعتمد اقتصاد إدلب تحت حكم هيئة تحرير الشام بشكل كبير على الريع والاحتكار، وهو نموذج قد يواجه تحديات كبيرة مع مرور الوقت، خاصة مع تزايد معدلات التضخم والبطالة، وارتفاع تكاليف الحياة.

يبقى السؤال الأهم: هل تستطيع هيئة تحرير الشام تحقيق استقرار اقتصادي حقيقي ومستدام، أم أن نموذجها القائم على الريع والاحتكار سيصل إلى طريق مسدود، مما يضع سكان إدلب أمام مستقبل أكثر غموضًا؟

مع استمرار التحديات الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة، يبقى سكان إدلب في انتظار حلول حقيقية تعيد لهم الأمل في حياة كريمة ومستقرة.