3 ديسمبر 2024 21:37
سيناء الإخبارية
سيناء الإخبارية

طريق الحج المصري.. شريان التاريخ الممتد من قلب سيناء إلى مكة المكرمة

طريق الحج المصري قديما عبر سيناء

على مدار قرون طويلة، ظل “طريق الحج المصري” رمزًا للتواصل الروحي والثقافي بين مصر والأراضي المقدسة في الحجاز، هذا الطريق، الذي يمتد عبر قلب شبه جزيرة سيناء، كان أكثر من مجرد ممر جغرافي؛ بل كان حكاية متكاملة نسجتها الأقدام والإبل والمشاعر الإيمانية التي لم تعرف الحدود.

من القاهرة وحتى مكة المكرمة، انقسم الطريق إلى ثلاث مراحل رئيسية، كل منها تحدٍ في ذاته.

تبدأ الرحلة من القاهرة إلى عجرود، ومن هناك إلى نخل في شمال سيناء، لتصل القوافل أخيرًا إلى خليج العقبة ومدينة أيلة الأردنية.

كان الحجاج يقطعون هذه المراحل على ظهور الإبل، حاملين آمالهم وأدعيتهم، بينما يواجهون تحديات الطبيعة القاسية من جبال وصحاري شاسعة.

لكن “طريق الحج” لم يكن ممرًا مصريًا خالصًا؛ بل كان بوابة عالمية يمر بها حجاج من المغرب والأندلس والسودان وشمال إفريقيا. هذا الامتزاج الثقافي جعله شريانًا نابضًا يصل بين قارات متعددة، ويجسد وحدة العالم الإسلامي عبر الزمن.

آثار خالدة على الطريق
“قلعة نخل” وأطلال السلطان قانصوة الغوري ليست مجرد بقايا حجرية، بل هي شواهد صامتة على تاريخ زاخر بالحكايات. تلك القلاع التي شُيدت لحماية الحجاج وتأمين طريقهم، والنقوش التي تركها السلاطين على الصخور، تحمل ذاكرة الأزمان وحرص الحكام على تسهيل هذه الرحلات.

المحمل المقدس: موكب الكرامة والإيمان
كان “المحمل المقدس”، الذي يحمل كسوة الكعبة المشرفة، من أبرز مظاهر هذا الطريق. كانت القوافل تحمل المحمل سنويًا، لتصل به إلى مكة، في مشهد مهيب يُشعل مشاعر الفخر والقداسة في قلوب المسلمين.

أوج ازدهار الطريق في عهد المماليك
في العصر المملوكي، بلغ “طريق الحج” ذروته، حيث بذل السلاطين مثل الظاهر بيبرس والناصر محمد بن قلاوون جهودًا جبارة لتطويره وحمايته. المحطات والقلعات التي بُنيت على طوله لم تكن مجرد مواقع توقف؛ بل كانت مراكز حضارية تدعم الحجاج وتضمن أمنهم.

أفول الطريق: بين السياسة والتكنولوجيا
مع بداية القرن العشرين، بدأ الطريق يفقد أهميته تدريجيًا. الحروب العالمية والصراعات السياسية، إلى جانب ظهور وسائل النقل الحديثة، دفعت الحجاج للبحث عن طرق أسرع وأكثر أمانًا.

وبذلك، تحول الطريق من شريان نابض إلى ذكرى باقية تحمل عبق التاريخ.

“طريق الحج المصري”، وإن غاب عن الاستخدام اليومي، يظل شاهدًا على عظمة الإرث الإسلامي وروح التضامن التي ربطت بين المسلمين عبر العصور.