متحف أسيوط القومي.. قصر ألكسان باشا يحكي تاريخ الفراعنة بعد 115 عامًا من تأسيسه
في قلب مدينة أسيوط، حيث ينساب نهر النيل عتيقًا ببهائه الأزلي، يقف قصر ألكسان باشا شامخًا، شاهدًا على عصورٍ مضت وأحداثٍ تركت بصمتها في تاريخ مصر.
هذا الصرح الأثري المهيب، الذي يحتل موقعًا مميزًا يطل على النهر العظيم، يتميز بواجهاته الحجرية الشامخة وزخارفه البديعة، ليحمل بين جدرانه قصصًا لا تنتهي عن حقب مختلفة من الزمن، تتناقلها الأجيال بفيضٍ من الاحترام والإعجاب.
جذور التاريخ: تأسيس القصر وحقبته الذهبية
تأسس قصر ألكسان باشا في مطلع القرن العشرين، تحديدًا عام 1910، على مساحة واسعة تبلغ 7000 متر مربع. كان القصر في زمانه الأول ملاذًا للأعيان والوجهاء من داخل مصر وخارجها، حيث شهد أبرز الأحداث الاجتماعية والسياسية في أسيوط، واستضاف العديد من الشخصيات البارزة، من بينها الملك فؤاد الأول الذي زاره عام 1935.
كان القصر رمزًا للرفاهية والنفوذ، حيث يتجول زواره بين قاعاته الفخمة وأروقته التي تزدان بزخارف معقدة مستوحاة من الطراز الإغريقي، بينما تطل نوافذه على النيل، في مشهد يجمع بين الجمال الطبيعي وروعة الفن المعماري.
متحف قومي: رؤية جديدة لإحياء التراث
مع تغير الزمن وتبدل الأدوار، اتخذت الدولة المصرية قرارًا بتحويل قصر ألكسان باشا إلى متحف قومي لمحافظة أسيوط. صدر هذا القرار في إطار خطة شاملة للحفاظ على التراث المصري وتعظيم الاستفادة من المباني الأثرية.
وأُدرج القصر ضمن قائمة الآثار الإسلامية عام 1995، ليصبح بذلك شاهدًا على ملامح تاريخية ممتدة عبر العصور، بدءًا من الحضارة المصرية القديمة مرورًا بالعصر الروماني، ووصولًا إلى العصور القبطية والإسلامية.
كنوز القصر: تحف ومقتنيات فريدة
من المتوقع أن يضم المتحف داخل القصر أكثر من 5000 قطعة أثرية، تشمل تحفًا نادرة من المعادن النفيسة مثل الذهب والفضة، وأثاثًا خشبيًا فاخرًا يعود إلى التراث الملكي المصري.
كما ستُنقل إليه أكثر من 7000 قطعة أثرية أخرى منتشرة في أرجاء محافظة أسيوط، ليصبح القصر بمثابة بوابة إلى ماضي مصر العريق، حيث يتمكن الزوار من مشاهدة تطور الفنون والثقافة عبر العصور.
جهود الترميم: إعادة الحياة إلى تحفة معمارية
شهد القصر مراحل متعددة من الترميم، كان أبرزها في عهد اللواء نبيل العزبي، محافظ أسيوط الأسبق، الذي أنهى إجراءات نزع ملكيته ليبدأ مشروع تطويره بتكلفة بلغت 18 مليون جنيه.
وعلى الرغم من مرور أكثر من قرن على إنشائه، لا يزال القصر يحتفظ برونقه وجماله، بفضل التصميم الذي جمع بين الطراز البريطاني والإيطالي والفرنسي، وأعمال الترميم الدقيقة التي أعادت زخارفه ومنقوشاته إلى حالتها الأصلية.
وفي يوليو 2016، زار الدكتور خالد العناني، وزير الآثار حينها، القصر وأكد على ضرورة إزالة التعديات التي طالت حرمه، مثل قاعة الأفراح التابعة لنادي التجاريين.
وتم استكمال أعمال التطوير بالتعاون بين المحافظة ووزارة الآثار، ليصبح القصر مزارًا سياحيًا يعكس هوية أسيوط الحضارية.
قيمة مضافة لأسيوط: أبعاد سياحية واقتصادية
وبعد افتتاحه كمتحف قومي، لم يعد دور قصر ألكسان باشا قاصرا على كونه معلمًا أثريًا، بل ساهم في تعزيز السياحة بمحافظة أسيوط، ما فتح آفاقًا جديدة للتنمية الاقتصادية والثقافية.
وبفضل موقعه المميز على نهر النيل وتصميمه المعماري الفريد، سيصبح القصر نقطة جذب للزوار من داخل مصر وخارجها، ليكون حلقة وصل بين ماضي مصر العريق ومستقبلها الواعد.
إرث خالد: قصر ألكسان باشا شاهد على عظمة الزمن
يظل قصر ألكسان باشا رمزًا خالدًا للأناقة والرقي، حيث تتجلى فيه عبقرية التصميم وروعة التنفيذ.
إنه ليس مجرد مبنى أثري، بل نافذة تطل على حقبة زمنية أبدعت في المزج بين الثقافات، وتُبرز مساهمات شعب أسيوط في تشكيل الحضارة المصرية.
ومع افتتاحه المرتقب، سيكون القصر شاهدًا حيًا على أهمية التراث في تشكيل الهوية الوطنية، وحافزًا للأجيال القادمة للحفاظ على هذا الإرث العظيم.
تعليقات 0