متحف كوم أوشيم بالفيوم.. بوابة ساحرة إلى أعماق الحضارات والتاريخ
في أعماق صحراء الفيوم، حيث تمتزج الطبيعة بجمالها الهادئ مع أصداء التاريخ، يقف متحف كوم أوشيم شاهدًا على آلاف السنين من الحضارات التي تركت بصماتها على هذه الأرض.
وبين جدران المتحف الحجرية وممراته التي تفوح بعبق الماضي، يجد الزائر نفسه في رحلة استثنائية عبر الزمن، تعكس عظمة مصر وتنوعها الحضاري.
متحف كوم أوشيم.. نافذة على عظمة التاريخ
ليس متحف كوم أوشيم مجرد صالة عرض لقطع أثرية، بل هو شهادة حيّة على تطور محافظة الفيوم عبر العصور. يضم المتحف ما يزيد على 312 قطعة أثرية معروضة وفق تسلسل تاريخي يبدأ من العصر العتيق ويمتد حتى العصر الإسلامي.
ويتيح هذا الترتيب للزوار فرصة استكشاف تطور الحرف والصناعات والعادات والتقاليد التي ميزت سكان الفيوم عبر الحقب المختلفة.
موقع المتحف في قلب التاريخ
يقع المتحف عند مدخل قرية كرانيس الأثرية الشهيرة، التي كانت يومًا ما مركزًا حضاريًا مزدهرًا خلال العصرين اليوناني والروماني. هذه القرية، التي ظلت مجهولة لفترة طويلة حتى اكتشفها علماء الآثار مطلع القرن العشرين، تزخر بمعابد وآثار تعكس عبقرية التصميم والروحانية التي ميزت تلك الحقبة.
تأسيس المتحف وتطويره
أنشئ متحف كوم أوشيم عام 1974 ليكون مقرًا لحفظ القطع الأثرية المكتشفة في منطقة كوم أوشيم، لكنه لم يتوقف عند هذا الحد.
ففي عام 1993، أُجريت توسعة كبيرة أضيف خلالها طابق علوي للمبنى، ثم خضع المتحف لعملية تطوير شاملة انتهت بإعادة افتتاحه في نوفمبر 2016. جاءت هذه التحديثات لتعزز من جاذبية المتحف، وتربط سكان الفيوم بتراثهم العريق عبر معروضات تُبرز حياة الأجداد ومظاهرهم اليومية.
رحلة استثنائية بين كنوز المتحف
منذ اللحظة الأولى لدخول المتحف، يشعر الزائر أنه أمام عالم مليء بالكنوز الأثرية. أول ما يلفت الانتباه هو تمثال سخمت، المعبودة المحاربة، التي تتجلى في هيئة سيدة برأس أسد، حاملة صولجانًا من نبات البردي، وكأنها تحرس الكنوز الثمينة للمتحف.
وفي زاوية أخرى، يتألق تمثال أفروديت، إلهة الحب والجمال، الذي يعود تاريخه إلى القرن الثالث قبل الميلاد. التمثال، الذي يظهر فيه جمال الأسطورة اليونانية وهي تخرج من صدفة بحرية، يشهد على التداخل الثقافي الذي عرفته الفيوم في عصورها القديمة.
تحتوي قاعات المتحف على قطع مذهلة من الحلي الفرعونية، مثل القلادات والأساور المصنوعة من الذهب والأحجار الكريمة، التي تعكس براعة المصريين القدماء في فنون الزينة. كما تتنوع المعروضات بين الأواني الفخارية والأدوات المنزلية التي تحكي قصصًا عن حياة الناس في تلك الأزمنة.
كرانيس الأثرية.. الجوهرة الخفية للفيوم
تعد قرية كرانيس الأثرية من أبرز المواقع التي ارتبطت بمتحف كوم أوشيم. تحتوي القرية على معبد مخصص لعبادة الإله سوبك، الذي كان يُعبد باعتباره إله الخصوبة والمياه. كانت كرانيس تشتهر بزراعة القمح والشعير والفواكه، مما جعلها منطقة اقتصادية حيوية في العصور القديمة.
تاريخ يحيا بين الماضي والحاضر
يهدف سيناريو العرض المتحفي في كوم أوشيم إلى إحياء الروابط بين الأجيال المختلفة من سكان الفيوم. عبر معروضات المتحف، يستطيع الزوار التعرف على الفكر الديني والاجتماعي الذي ساد هذه المنطقة، واستكشاف الطرق التي تطورت بها الصناعات والحرف، من الماضي البعيد إلى يومنا هذا.
رسالة خالدة للعالم
لا يقتصر دور متحف كوم أوشيم على استعراض الماضي، بل يحمل رسالة مهمة تؤكد أهمية الحفاظ على التراث والتعلم منه. عبر معروضاته الفريدة وتاريخه الممتد، يبرز المتحف كواحد من أهم الوجهات الثقافية في الفيوم، ومصدر فخر لأبناء المحافظة.
إذا كنت تبحث عن تجربة ثقافية استثنائية تأخذك في رحلة عبر الزمن، فإن متحف كوم أوشيم يقدم لك فرصة لا مثيل لها لاستكشاف أعماق التاريخ والحضارة، في أجواء تمزج بين البساطة والعظمة.
تعليقات 0